(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤))
قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) قال ابن عباس : في العسر واليسر ، ومعنى الآية : أنّهم رغبوا في معاملة الله ، فلم يبطرهم الرّخاء فينسيهم ، ولم تمنعهم الضّرّاء فيبخلوا.
قوله تعالى : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) قال الزجّاج : يقال : كظمت الغيظ : إذا أمسكت على ما في نفسك منه ، وكظم البعير على جرّته : إذا ردّدها في حلقه. وقال ابن الأنباريّ : الأصل في الكظم : الإمساك على غيظ وغمّ.
(٢١٣) وروى ابن عمر عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ما تجرّع عبد جرعة أفضل عند الله من جرعة غيظ يكظمها ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى».
قوله تعالى : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) فيه قولان : أحدهما : أنه العفو عن المماليك ، قاله ابن عباس. والثاني : أنه على إطلاقه ، فهم يعفون عمّن ظلمهم ، قاله زيد بن أسلم ، ومقاتل.
(وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (١٣٦))
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) ، في سبب نزولها ثلاثة أقوال :
(٢١٤) أحدها : أن امرأة أتت إلى نبهان التّمّار تشتري منه تمرا فضمّها ، وقبّلها ، ثم ندم ، فأتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فذكر ذلك ؛ فنزلت هذه الآية ، رواه عطاء عن ابن عباس.
(٢١٥) والثاني : أنّ أنصاريا وثقفيّا آخى النبيّ صلىاللهعليهوسلم بينهما ، فخرج الثّقفيّ مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم في بعض مغازيه ، فكان الأنصاري يتعاهد أهل الثّقفيّ ، فجاء ذات يوم فأبصر المرأة قد اغتسلت وهي ناشرة شعرها ، فدخل ولم يستأذن ؛ فذهب ليلثمها فوضعت كفّها على وجهها ، فقبّله ثم ندم ، فأدبر راجعا ،
____________________________________
(٢١٣) جيد. أخرجه ابن ماجة ٤١٨٩ والبيهقي في «الشعب» ٨٣٠٥ و ٨٣٠٧ وأحمد ٢ / ١٢٨ من حديث ابن عمر ؛ وإسناده ضعيف ، فيه عنعنة الحسن ، وهو مدلس. قال البوصيري في الزوائد : إسناده صحيح ، ورجاله ثقات اه. وورد من وجه آخر ، أخرجه أحمد ٢ / ١٢٨ من طريق شجاع بن الوليد عن عمر بن محمد بن سالم عن ابن عمر ، وإسناده حسن ، رجاله ثقات. وفي الباب حديث ابن عباس ، أخرجه أحمد ١ / ٣٢٧. وصدره «من أنظر معسرا ، أو وضع له ، وقاه الله فيح جهنم ، ...». وله شاهد آخر من حديث معاذ بن أنس ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عزوجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور ما شاء» أخرجه أبو داود ٤٧٧٧ والترمذي ٢٠٢٢ و ٢٤٩٥ وابن ماجة ٤١٨٦ وأبو يعلى ١٤٩٧ وأبو نعيم في الحلية ٨ / ٤٧ ـ ٤٨ وأحمد ٣ / ٤٤٠ و ٤٣٨.
(٢١٤) لم أره مسندا ، ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٢٤٧ عن ابن عباس في رواية عطاء بدون إسناد ولا يصح سبب النزول هذا ، وقد ورد خبر نبهان التمار. انظر سورة هود آية : ١١٤.
(٢١٥) باطل. ذكره الواحدي ٢٤٨ عن ابن عباس من طريق الكلبي وهو باطل ، الكلبي متروك كذاب ، وأبو صالح لم يلق ابن عباس. ومقاتل إن كان ابن سليمان فهو كذاب وإن كان ابن حيان فقد روى مناكير كثيرة.