قوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ) ، فيه خمسة أقوال : أحدها : أن معناه : من كفر بالحجّ فاعتقده غير واجب ، رواه مقسم عن ابن عباس ، وابن جريج عن مجاهد ، وبه قال الحسن ، وعطاء ، وعكرمة ، والضّحّاك ، ومقاتل. والثاني : من لم يرج ثواب حجّه ، ولم يخف عقاب تركه ، فقد كفر به ، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وابن أبي نجيح عن مجاهد. والثالث : أنه الكفر بالله ، لا بالحجّ ، وهذا المعنى مروي عن عكرمة ، ومجاهد. والرابع : أنه إذا أمكنه الحجّ ، فلم يحجّ حتى مات ، وسم بين عينيه : كافر ، هذا قول ابن عمر. والخامس : أنه أراد الكفر بالآيات التي أنزلت في ذكر البيت ، لأن قوما من المشركين قالوا : نحن نكفر بهذه الآيات ، هذا قول ابن زيد.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (٩٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩))
قوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ). قال الحسن : هم اليهود والنّصارى. فأمّا آيات الله فقال ابن عباس : هي القرآن ومحمّد صلىاللهعليهوسلم. وأما الشّهيد ، فقال ابن قتيبة : هو بمعنى الشّاهد ، وقال الخطّابيّ : هو الذي لا يغيب عنه شيء ، كأنه الحاضر الشّاهد.
قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ). قال مقاتل : دعت اليهود حذيفة ، وعمّار بن ياسر ، إلى دينهم ، فنزلت هذه الآية.
وفي المراد بأهل الكتاب هاهنا قولان : أحدهما : أنهم اليهود والنّصارى ، قاله الحسن. والثاني : اليهود. قاله زيد بن أسلم ، ومقاتل. قال ابن عباس : (لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) : الإسلام ، والحجّ. وقال قتادة : لم تصدّون عن نبيّ الله ، وعن الإسلام. قال السّدّيّ : كانوا إذا سئلوا : هل تجدون محمّدا في كتبكم؟ قالوا : لا. فصدّوا عنه الناس.
قوله تعالى : (تَبْغُونَها) ، قال اللغويّون : الهاء كناية عن السّبيل ، والسّبيل يذكّر ويؤنّث. وأنشدوا :
فلا تبعد فكلّ فتى أناس |
|
سيصبح سالكا تلك السّبيلا |
ومعنى «تبغونها» : تبغون لها ، تقول العرب : أبغني خادما ، يريدون : ابتغه لي ، فإذا أرادوا : ابتغ معي ، وأعنّي على طلبه ، قالوا : أبغني ، ففتحوا الألف ، ويقولون : وهبتك درهما ، كما يقولون : وهبت لك. قال الشاعر :
فتولّى غلامهم ثمّ نادى |
|
أظليما أصيدكم أم حمارا؟ (١) |
أراد : أصيد لكم. ومعنى الآية : يلتمسون لسبيل الله الزّيغ والتّحريف ، ويريدون ردّ الإيمان والاستقامة إلى الكفر والاعوجاج ، ويطلبون العدول عن القصد ، هذا قول الفرّاء ، والزّجّاج ، واللغويين.
__________________
لا يثبت مسندا ، والصواب من الروايات رواية الحسن المرسلة اه. ولمزيد الكلام عليه راجع «نصب الراية» ٣ / ٨ ـ ١٠ فقد ذكر طرقه وكشف عن عللها. وانظر «تفسير ابن كثير» بتخريجي عند هذه الآية ، وكذا «فتح القدير» للشوكاني.
__________________
(١) في «اللسان» : ظليم : الذكر من النعام. وأصيدكم : يعني أصيد لكم.