أن الإجماع انعقد على أن من جنى فيه لا يؤمّن ، لأنه هتك حرمة الحرم وردّ الأمان ، فبقي حكم الآية فيمن جنى خارجا منه ، ثم لجأ إلى الحرم. وقد اختلف الفقهاء في ذلك ، فقال أحمد في رواية المروذيّ : إذا قتل ، أو قطع يدا ، أو أتى حدّا في غير الحرم ، ثم دخله ، لم يقم عليه الحدّ ، ولم يقتصّ منه ، ولكن لا يبايع ، ولا يشارى ، ولا يؤاكل حتى يخرج ، فإن فعل شيئا من ذلك في الحرم ، استوفي منه. وقال أحمد في رواية حنبل : إذا قتل خارج الحرم ، ثم دخله ، لم يقتل. وإن كانت الجناية دون النّفس ، فإنه يقام عليه الحدّ ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. وقال مالك والشّافعيّ : يقام عليه جميع ذلك في النّفس ، وفيما دون النّفس (١).
وفي قوله تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) دليل على أنه لا يقام عليه شيء من ذلك ، وهو مذهب ابن عمر ، وابن عباس ، وعطاء ، والشّعبيّ ، وسعيد بن جبير ، وطاوس.
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) ، الأكثرون على فتح حاء «الحج» ، وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم : بكسرها. قال مجاهد : لما أنزل قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) قال أهل الملل كلّهم : نحن مسلمون ، فنزلت هذه الآية ، فحجّه المسلمون ، وتركه المشركون ، وقالت اليهود : لا نحجّه أبدا.
قوله تعالى : (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ، قال النّحويون : «من» بدل من «الناس» ، وهذا بدل البعض ، كما تقول : ضربت زيدا رأسه.
(١٩٨) وقد روي عن ابن مسعود ، وابن عمر ، وأنس ، وعائشة عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه سئل : ما السّبيل؟ فقال : «من وجد الزّاد والرّاحلة».
____________________________________
(١٩٨) ورد عن جماعة من الصحابة بأسانيد واهية ، لا تقوم بها حجة ، منها :
١ ـ حديث ابن عمر ، أخرجه الترمذي ٨١٣ و ٢٩٩٨ وابن ماجة ٢٨٩٦ والدارقطني ٢ / ٢١٧ والطبري ٧٤٨٢ و ٧٤٨٣ والبيهقي ٤ / ٣٣٠. وأشار الترمذي إلى ضعفه ، حيث قال : إبراهيم هو ابن يزيد الخوزي وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه اه. وكذا ضعف إسناده الحافظ في «تخريج الكشاف» ١ / ٣٩٠. لكن تابعه محمد بن عبد الله الليثي عند ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» ١ / ٣٩٤ ، لكن الليثي هذا واه.
٢ ـ حديث ابن مسعود ، أخرجه أبو يعلى ٥٠٨٦ وذكره الهيثمي في «المجمع» ٣ / ٢٢٤ وقال : وفيه رجل ضعيف اه. وهو في مسند أبي حنيفة ٢٢٣.
٣ ـ حديث أنس ، أخرجه الدارقطني ٢ / ٢١٦ والحاكم ١ / ٤٤٢ وصححه على شرطهما ، وقال : وقد توبع سعيد بن أبي عروبة ، تابعه حمّاد بن سلمة عن قتادة ، ثم أسنده هو والدارقطني من طريق حماد وقال : صحيح على شرط مسلم! وسكت الذهبي! وليس كذلك بل فيه عبد الله بن واحد الحراني ، وهو متروك.
٤ ـ حديث عائشة : أخرجه الدارقطني ٢ / ٢١٧ والعقيلي ٣٢٣ والبيهقي ٤ / ٣٣٠ وأعلّه العقيلي بعتاب بن أعين وقال : وهم فيه والصواب عن الحسن مرسلا. وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» ١ / ٣٩٠ : حديث ابن عمر ضعيف ، وحديث أنس معلول ، وصوّب البيهقي أن يكون من مرسل الحسن ، وأخرجه الدارقطني ، بأسانيد ضعيفة اه باختصار.
ـ وجاء في «تلخيص الحبير» ٢ / ٢٢١ ما ملخصه : وطرقه كلها ضعيفة ، وكذا قال عبد الحق. وقال ابن منذر :
__________________
(١) تقدم هذا البحث في سورة البقرة.