فيه ، ورجع لقارئه أيضا. قال الهذلي :
كرهت العقر عقر بني شليل |
|
إذا هبت لقارئها الرياح |
فالحيض يأتي لوقت ، والطّهر يأتي لوقت ، هذا قول ابن قتيبة. والثاني : أن أصله الجمع. وقولهم : قرأت القرآن ، أي : لفظت به مجموعا. والقرء : اجتماع الدّم في البدن ، وذلك إنما يكون في الظّهر ، وقد يجوز أن يكون اجتماعه في الرّحم ، وكلاهما حسن ، هذا قول الزجّاج.
واختلف الفقهاء في الأقراء على قولين (١) : أحدهما : أنها الحيض ، روي عن عمر ، وعليّ ، وابن مسعود ، وأبي موسى ، وعبادة بن الصّامت ، وأبي الدّرداء ، وعكرمة ، والضحّاك ، والسّدّيّ ، وسفيان الثّوريّ ، والأوزاعيّ ، والحسن بن صالح ، وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل رضي الله عنه ، فإنه قال : قد كنت أقول : إن القروء : الأطهار ، وأنا اليوم أذهب إلى أنها الحيض. والثاني : أنها الأطهار ، روي عن زيد بن ثابت ، وابن عمر ، وعائشة ، والزّهريّ ، وأبان بن عثمان ، ومالك بن أنس ، والشّافعيّ ، وأومأ إليه أحمد.
ولفظ قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) ، لفظ الخبر ، ومعناه : الأمر ، كقوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) (٢) ، وقد يأتي لفظ الأمر في معنى الخبر كقوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) (٣) ، والمراد بالمطلّقات في هذه الآية ، البالغات المدخول بهن غير الحوامل. قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) ، فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنّه الحمل ، قاله عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، ومقاتل ، وابن قتيبة ، والزجّاج. والثاني : أنه الحيض ، قاله عكرمة ، وعطيّة ، والنّخعيّ ، والزّهريّ. والثالث : الحمل والحيض ، قاله ابن عمر ، وابن زيد. وقوله تعالى : (إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، خرّج مخرج الوعيد لهنّ والتوكيد ، قال الزجّاج : وهو كما تقول للرجل : إن كنت مؤمنا فلا تظلم. وفي سبب وعيدهم بذلك قولان : أحدهما : أنه لأجل ما يستحقه الزوج من الرّجعة ، قاله ابن عباس. والثاني : لأجل إلحاق الولد بغير أبيه ، قاله قتادة. وقيل : كانت المرأة إذا
__________________
(١) قال القرطبي رحمهالله ٣ / ١٠٨ : اختلف العلماء في الأقراء. فقال أهل الكوفة : هي الحيض وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي موسى ومجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة والسدي. وذلك لاجتماع الدم في الرحم.
وقال أهل الحجاز : هي الأطهار ، وهو قول عائشة وابن عمر وزيد بن ثابت والزهري وأبان بن عثمان والشافعي وجعله اسما للطهر لاجتماعه في البدن. وقال قوم : هو مأخوذ من قرء الماء في الحوض ، وهو جمعه ، ومنه القرآن لاجتماع المعاني ويقال لاجتماع حروفه قال ابن عبد البر : قول من قال : إن القرء مأخوذ من قولهم : قريت الماء في الحوض ليس بشيء ، لأن القرء مهموز وهذا غير مهموز. وقيل : القرء ، الخروج وعلى هذا قال الشافعي القرء الانتقال من الطهر إلى الحيض ولا يرى الخروج من الحيض إلى الطهر قرء. وكان يلزم بحكم الاشتقاق أن يكون قرء ، ويكون معنى قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) أي ثلاثة أدوار أو ثلاثة انتقالات والمطلقة متصفة بحالتين فقط ، فتارة تنتقل من طهر إلى حيض وتارة من حيض إلى طهر فيستقيم معنى الكلام ودلالته على الطهر والحيض جميعا ، فيصير الاسم مشتركا. ويقال : إذا ثبت أن القرء الانتقال فخروجها من طهر إلى حيض غير مراد بالآية أصلا ، ولذلك لم يكن الطلاق في الحيض سنّيا مأمورا به ، وهو الطلاق للعدة فإن الطلاق للعدة ما كان في الطهر ، وذلك يدل على كون القرء مأخوذا من الانتقال ، والطلاق في الطهر سنيا.
(٢) البقرة : ٢٣٣.
(٣) مريم : ٧٥.