الحدود ما منع الله من مخالفتها ، فلا يجوز مجاوزتها. وأصل الحدّ في اللغة : المنع ، ومنه : حدّ الدّار ، وهو ما يمنع غيرها من الدّخول فيها. والحدّاد في اللغة : الحاجب والبوّاب ، وكلّ ما منع شيئا فهو حدّاد ، قال الأعشى :
فقمنا ولمّا يصح ديكنا |
|
إلى جونة عند حدّادها |
أي : عند ربّها الذي يمنعها إلا بما يريده. وأحدّث المرأة على زوجها ، وحدّت فهي حادّ ، ومحدّ : إذا قطعت الزّينة ، وامتنعت منها ، وأحددت النّظر إلى فلان : إذا منعت نظرك من غيره. وسمي الحديد حديدا ، لأنه يمتنع به من الأعداء.
قوله تعالى : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ) ، أي : مثل هذا البيان الذي ذكر.
(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨))
قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ).
(٧٣) سبب نزولها : أنّ امرأ القيس بن عابس وعبدان الحضرميّ ، اختصما في أرض ، وكان عبدان هو الطّالب ولا بيّنة له ، فأراد امرؤ القيس أن يحلف ، فقرأ عليه النبيّ صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) ، فكره أن يحلف ، ولم يخاصم في الأرض ، فنزلت هذه الآية. هذا قول جماعة ، منهم : سعيد بن جبير.
ومعنى الآية : لا يأكل بعضكم مال بعض ، كقوله : (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ). قال القاضي أبو يعلى : والباطل على وجهين : أحدهما : أن يأخذه بغير طيب نفس من مالكه ، كالسّرقة ، والغصب ، والخيانة.
والثاني : أن يأخذه بطيب نفسه ، كالقمار ، والغناء ، وثمن الخمر ، وقال الزجّاج : الباطل : الظّلم. «وتدلوا» أصله في اللغة من : أدليت الدّلو : إذا أرسلتها لتملأها ، ودلوتها ؛ إذا أخرجتها. ومعنى أدلى فلان بحجّته : أرسلها ، وأتى بها على صحّة. فمعنى الكلام : تعملون على ما يوجبه إدلاء الحجّة ، وتخونون في الأمانة ، وأنتم تعلمون أنّ الحجّة عليكم في الباطن (١). وفي هاء «بها» قولان : أحدهما :
____________________________________
(٧٣) ضعيف. أخرجه ابن أبي حاتم كما في «أسباب النزول» ٩٤ للسيوطي عن سعيد بن جبير مرسلا ، ولم أقف على إسناده إلى سعيد ، وهو ضعيف بكل حال ، لإرساله ، فالمرسل ضعيف عند أهل الحديث.
ـ وذكره الواحدي ٩٥ وعزاه لمقاتل بن حيان ، وهذا مرسل ، وهو بدون إسناد ، ومقاتل ذو مناكير.
ـ وأصله صحيح ، انظر صحيح البخاري ٢٤١٦ ومسلم ١٣٩ فهو بهذا اللفظ مع ذكر سبب النزول ضعيف.
__________________
(١) فائدة : قال القرطبي رحمهالله ٢ / ٣٣٦ : من أخذ مال غيره لا على وجه إذن الشرع فقد أكله بالباطل. ومن الأكل بالباطل أن يقضي القاضي لك وأنت تعلم أنك مبطل ، فالحرام لا يصير حلالا بقضاء القاضي ، لأنه إنما يقضي بالظاهر. وهذا إجماع في الأموال ، وإن كان عند أبي حنيفة قضاؤه ينفذ في الفروج باطنا ، وإذا كان قضاء القاضي لا يغير حكم الباطن في الأموال فهو في الفروج أولى. وروى الأئمة عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من نار ـ في رواية ـ فليحملها أو يذرها)