أرى شيئا ، ثمّ يقولون : (جاء محمد) ، فأسعى ، حتى جاء النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وصاحبه أبو بكر فكمنا في بعض جدر المدينة ، ثمّ بعثنا رجلا من أهل البادية ليؤذن بهما الأنصار قال : فاستقبلهما زهاء خمسمائة من الأنصار ، حتى انتهوا إليهما ، فقالوا : انطلقا آمنين مطاعين ، فأقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصاحبه بين أظهرهم ، فخرج أهل المدينة ، حتّى إنّ العواتق لفوق البيوت يتراءينه يقلن : أيّهم هو؟ قال : فما رأينا منظرا شبيها به يومئذ. صحيح (١).
وقال الوليد بن محمد الموقريّ وغيره ، عن الزّهري قال : فأخبرني عروة أنّ الزّبير كان في ركب تجّار بالشام ، فقفلوا إلى مكة ، فعارضوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبا بكر بثياب بياض ، وسمع المسلمون بمخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكانوا يغدون كلّ غداة إلى الحرّة فينتظرونه ، حتى يردّهم نحر الظّهيرة (٢) ، فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظاره ، فلمّا أووا إلى بيوتهم ، أوفى رجل من يهود أطما (٣) من آطامهم لشأنه ، فبصر برسول الله صلىاللهعليهوسلم ب «أصحابه مبيّضين (٤) يزول بهم السّراب فلم يملك اليهوديّ أن قال بأعلى صوته : يا معشر العرب هذا جدّكم الّذي تنتظرون ، فثار المسلمون إلى السلام ، فلقوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بظهر الحرّة ، فعدل بهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات اليمين ، حتى نزل في بني عمرو بن عوف من الأنصار ، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول ، فقام أبو بكر يذكّر النّاس ، وجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم صامتا ، فطفق من جاء من الأنصار ممّن لم ير رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحسبه أبا بكر ، حتى أصابت الشمس رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأقبل أبو بكر حتى ظلّل عليه بردائه ،
__________________
(١) رواه الإمام أحمد في مسندة كما في سيرة ابن كثير ٢ / ٢٦٨ ـ ٢٦٩ ، وأبو نعيم في دلائل النبوّة ٢ / ١١٤.
(٢) هو حين تبلغ الشمس منتهاها من الارتفاع ، كأنّها وصلت إلى النحر.
(٣) الأطم : الحصن.
(٤) أي عليهم الثياب البيض.