الأول : ان هذا الاجتماع غير مانع من هذا الجواز فى حق الاثنين والثلاثة والعشرة والمائة. والعقل لا يمكنه أن يشير الى حد معين ، ويحكم بأن الاجتماع الحاصل فى هذا العدد ، يمنع من جواز الكذب ، لأن أى عدد فرضه العقل فان حال العدد الزائد عليه ـ بواحد واثنين ، وحال العدد الناقص عنه بواحد واثنين ـ فى ذلك الجواز على السوية.
واذا كان هذا الجواز ثابتا فى الآحاد ـ والحد المانع من هذا الجواز مفقود ـ وجب أن يقال : ان ذلك الجواز ثابت حال الاجتماع ، كما كان ثابتا حال الانفراد. واذا كان ذلك الجواز ثابتا حال الاجتماع ، امتنع القطع بأن الكذب لا يقع.
الثانى : ان المتكلمين يقولون : لما كان كل واحد من الحوادث ، له أول. وجب فى الكل أن يكون له أول. وكل العقلاء يقولون : اذا كان كل واحد من «الزنج» موصوفا بالسواد ، وجب فى الكل أن يكونوا موصوفين بالسواد. فكذا هاهنا : لما جاز الكذب على كل واحد من المخبرين ، وجب أن يكون هذا الجواز باقيا فى حق الكل.
الشبهة الثانية : هى أن الانسان انما يقدم على الكذب ، لأنه حصل فى قلبه إرادة أن يكذب. وحصول هذه الارادات فى القلب : اما أن يكون من الله تعالى ، أو من العبد ، أو حدثت لا عن محدث ومؤثر. وعلى التقديرات الثلاثة فكل ذلك جائز فى حق كل واحد من هؤلاء المخبرين ، ولم يكن حصول هذا السبب فى حق بعضهم ، مانعا ومنافيا من حصوله فى حق الباقين. واذا كان الأمر كذلك وجب القطع بأنه لا يمتنع حصول ذلك السبب الداعى الى الكذب فى حق الكل. وبتقدير وقوع الاشتراك فى تلك الإرادة ، وجب وقوع الاشتراك فى الكذب. والمعلق على سبب جائز الوجود كان هو أيضا جائز الوقوع. فثبت :