اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (مريم ٨٥ ـ ٨٧) فنقول : الّذي فى ظاهر الآية : أن المجرمين لا يملكون الشفاعة لغيرهم ، أو أن غيرهم لا يملكون الشفاعة لهم ، لأن المصدر كما يحسن اضافته الى الفاعل ، يحسن أيضا اضافته الى المفعول. الا أنا نقول : حمل الآية على الوجه الأول غير جائز. لأن حملها عليه يجرى مجرى إيضاح الواضحات. فان كل أحد يعلم أن المجرمين الذين يساقون الى جهنم ، لا يملكون الشفاعة لغيرهم. ولما بطل هذا ، ثبت وجوب حمل الآية على الوجه الثانى.
اذا ثبت هذا ، فنقول : الآية دالة على حصول الشفاعة لأهل الكبائر. لأنه تعالى قال : (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) والتقدير : أن المجرمين لا يملكون أن يشفع لهم غيرهم ، الا اذا كانوا قد اتخذوا عند الرحمن عهدا. وهذا يقتضي أن كل من اتخذ عند الرحمن عهدا ، دخل تحت هذه الآية وصاحب الكبيرة اتخذ عند الرحمن عهد الايمان والتوحيد. فوجب دخوله تحت هذه الآية. ولهذا يروى عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال : «ذلك العهد عهد لا إله الا الله».
أقصى ما فى الباب : أن يقال : اليهودى اتخذ عند الرحمن عهدا. وهو الايمان بالله. فوجب دخوله تحت الآية. لكنا نقول : العام بعد التخصيص ، يبقى حجة فيما عداه.
الحجة الثالثة : قوله تعالى فى حق الملائكة : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (الأنبياء ٢٨) وصاحب الكبيرة مرتضى عند الله ، لأنه مرتضى عند الله بحسب ايمانه. ومتى صدق عليه أنه مرتضى فى الصفة الفلانية ، صدق عليه أنه مرتضى. لأنه متى صدق المركب ، فقد صدق المفرد. واذا كان كذلك ، وجب أن يدخل تحت قوله : (إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) والاستثناء من النفى اثبات. فوجب ثبوت الشفاعة له.
فان قيل : الكلام على هذا الاستدلال من وجهين :
الأول : ان الفاسق ليس بمرتضى ، فوجب أن لا يكون أهلا لشفاعة الملائكة له. انما قلنا : انه ليس بمرتضى ، لأنه ليس بمرتضى بحسب