أحدها : سلامة الحاسة. وثانيها : كون الشيء بحيث أن يكون جائز الرؤية. وثالثها : أن لا يكون فى غلية البعد. والرابع : أن لا يكون فى غاية القرب. والخامس : أن يكون مقابلا للمرئى ، أو فى حكم المقابل. والسادس : أن لا يكون فى غاية اللطافة. والسابع : أن لا يكون بين الرائى والمرئى حجاب. والثامن : أن لا يكون فى غاية الصغر.
قالوا : عند حصول هذه الأمور الثمانية ، يجب حصول الابصار. اذ لو لم يجب لجاز أن يحصل بحضرتنا جبال عالية وشموس مضيئة وأصوات هائلة ، ونحن لا نراها ولا نسمعها وذلك يقتضي دخول الانسان فى الجهالات.
اذا عرفت هذه المقدمة ، فلنرجع الى تقرير الشبهة ، ونقول : أما الشرائط الستة الأخيرة ، فلا يمكن اعتبارها الا فى رؤية الأجسام. والله تعالى ليس بجسم ، فلا يمكن اعتبار هذه الشرائط فى رؤيته. فعلى هذا لو صحت رؤيته ، لوجب أن لا يصير فى حصول رؤيته الا أمران سلامة الحاسة ، وكونه بحيث يصح أن يرى. وهذان الأمران حاصلان الآن. فثبت : أنه لو صحت رؤيته ، لوجب أن نراه الآن. ولما لم يكن الأمر كذلك ، وجب أن يقال : انما لا نراه الآن ، لأنه لا تصح رؤيته.
الشبهة الثانية ـ وهى شبهة المقابلة ـ وهى أن كل ما كان مرئيا ، وجب أن يكون مقابلا للرائى ، أو فى حكم المقابل له. وذلك لا يصح الا فى (١٢) الشيء الّذي يكون حاصلا فى الحيز والمكان. والله تعالى ليس فى المكان والحيز ، فامتنع كونه مقابلا للرائى أو فى حكم المقابل له ، فامتنع كونه مرئيا. وانما قلنا : ان المرئى يجب أن يكون مقابلا أو فى حكم المقابل ، احترازا عن صور ثلاث :
__________________
(١٢) فى حكم وهو الشيء : ا