النوع السادس من المخالفين : الذين ينكرون كونه تعالى عالما بجميع المعلومات واحتجوا
عليه بوجهين :
الأول : لو كان عالما بجميع المعلومات ، لكان اذا علم شيئا ، علم
كونه عالما به ، وعلم كونه تعالى عالما بكونه عالما. وهكذا فى المرتبة الثالثة
والرابعة الى ما لا نهاية له ، فيكون له بحسب كل واحد من المعلومات علوم غير
متناهية ، لأنها أمور مترتبة ، لأن المرتبة الثالثة مرتبة على الثانية ، والثانية
على الأولى. فاذا حصلت هاهنا مراتب غير متناهية ، لزم حصول أسباب ومسببات لا نهاية
لها دفعة واحدة. وذلك مما ظهر ابطاله فى مسألة اثبات العلم بواجب الوجود.
لا يقال : لم لا يجوز أن يقال : اثبات العلم بالعالم بالشيء ، هو نفس العلم
بذلك الشيء؟
لأنا نقول : هذا
باطل من وجوه :
أحدها : ان المعلوم والعلم مما يتغايران ، فوجب أن يكون العلم
بالمعلوم مغايرا للعلم بالعلم بذلك المعلوم.
وثانيها : انه لو كان العلم بالعلم بالشيء نفس العلم بذلك الشيء. لكان
من علم شيئا ، حضر فى ذهنه العلم بالعلم ، والعلم بالعلم به. وهكذا هذه المراتب
الغير متناهية ولما علمنا بالضرورة : أنه ليس كل من علم الشيء حضر فى ذهنه هذه
المراتب الغير متناهية ، علمنا : أن العلم بالعلم بالشيء (هو) مغاير للعلم بذلك
الشيء.
وثالثها : انه يمكننا أن نعلمه عالما بذلك الشيء ، وان كنا لا نعلمه
عالما بكونه عالما بذلك الشيء. والمعلوم مغاير للمشكوك.