أن يقوم بذاته قبل
وجود المأمور ، فإذا وجد المأمور كان مأمورا بذلك الاقتضاء بعينه من غير تحدد
اقتضاء آخر ، وكم من شخص ليس له ولد ويقوم بذاته اقتضاء طلب العلم منه على تقدير
وجوده ، إذ يقدر في نفسه أن يقول لولده اطلب العلم وهذا الاقتضاء يتنجز في نفسه
على تقدير الوجود. فلو وجد الولد وخلق له عقل وخلق له علم بما في نفس الأب من غير
تقدير صياغة لفظ مسموع ، وقدر بقاء ذلك الاقتضاء على وجوده لعلم الابن أنه مأمور
من جهة الأب بطلب العلم في غير استئناف اقتضاء متجدد في النفس ، بل يبقى ذلك
الاقتضاء نعم العادة جارية بأن الابن لا يحدث له علم إلا بلفظ يدل على الاقتضاء
الباطن ، فيكون قوله بلسانه أطلب العلم ، دلالة على الاقتضاء الذي في ذاته سواء
حدث في الوقت أو كان قديما بذاته قبل وجود ولده ، فهكذا ينبغي أن يفهم قيام الأمر
بذات الله تعالى فتكون الألفاظ الدالة عليه حادثة والمدلول قديما ووجود ذلك
المدلول لا يستدعي وجود المأمور بل تصور وجوده مهما كان المأمور مقدر الوجود ، فإن
كان مستحيل الوجود ربما لا يتصور وجود الاقتضاء ممن يعلم استحالة وجوده. فلذلك لا
نقول إن الله تعالى يقوم بذاته اقتضاء فعل ممن يستحيل وجوده. بل ممن علم وجوده ،
وذلك غير محال ، فإن قيل أفتقولون إن الله تعالى في الأزل آمر وناه ، فإن قلتم أنه
آمر فكيف يكون آمر لا مأمور له؟ وإن قلتم لا فقد صار آمرا بعد أن لم يكن.
قلنا : واختلف
الأصحاب في جواب هذا ، والمختار أن تقول هذا نظر يتعلق أحد طرفيه بالمعنى والآخر
بإطلاق الاسم من حيث اللغة ، فأما حظ المعنى فقد انكشف وهو أن الاقتضاء القديم
معقول وإن كان سابقا على وجود المأمور كما في حق الولد ينبغي أن يقال اسم الأمر
ينطلق عليه بعد فهم المأمور ووجوده أم ينطلق عليه قبله؟ وهذا أمر لفظي لا ينبغي
للناظر أن يشتغل بأمثاله ، ولكن الحق أنه يجوز اطلاقه عليه كما جوزوا تسمية الله
تعالى قادرا قبل وجود المقدور ، ولم يستبعدوا قادرا ليس له مقدور موجود بل قالوا