في وقت مخصوص لا قبله ولا بعده ، مع تساوي نسب الأوقات إلى الإرادة ، فإنهم إن تخلصوا عن خصوص الوقت لم يتخلصوا عن خصوص الصفات ، إذ العالم مخصوص بمقدار مخصوص ووضع مخصوص ، وكانت نقائضها ممكنة في العقل ، والذات القديمة لا تناسب بعض الممكنات دون بعض ، ومن أعظم ما يلزمهم فيه ، ولا عذر لهم عنه أمران أوردناهما في كتاب تهافت الفلاسفة ولا محيص لهم عنهما البتة :
أحدهما ، أن حركات الأفلاك بعضها مشرقية أي من المشرق إلى المغرب ، وبعضها مغربية أي من مغرب الشمس إلى المشرق ، وكان عكس ذلك في الإمكان مساويا له ، إذ الجهات في الحركات متساوية ، فكيف لزم من الذات القديمة أو من دورات الأفلاك وهي قديمة عندهم أن تتعين جهة عن جهة تقابلها وتساويها من كل وجه؟ وهذا لا جواب عنه.
الثاني ، أن الفلك الأقصى الذي هو الفلك التاسع عندهم المحرك لجميع السماوات بطريق القهر في اليوم والليلة مرة واحدة يتحرك على قطبين شمالي وجنوبي ، والقطب عبارة عن النقطتين المتقابلتين على الكرة الثابتتين عند حركة الكرة على نفسها ، والمنطقة عبارة عن دائرة عظيمة على وسط الكرة بعدها من النقطتين واحد.
فنقول : جرم الفلك الأقصى متشابه ، وما من نقطة إلا ويتصور أن تكون قطبا ، فما الذي أوجب تعيين نقطتين من بين سائر النقط التي لا نهاية لها عندهم ، فلا بد من وصف زائد على الذات من شأنه تخصيص الشيء عن مثله وليس ذلك إلا الإرادة ، وقد استوفينا تحقيق الالتزامين في كتاب التهافت. وأما المعتزلة فقد اقتحموا أمرين شنيعين باطلين :
أحدهما ، كون الباري تعالى مريدا بإرادة حادثة لا في محل ، وإذا لم تكن الإرادة قائمة به فقول القائل إنه مريدها هجر من الكلام ، كقوله إنه مريد بإرادة قائمة بغيره.