حيث اكتفى بالعلم عن الإرادة لأن العلم يتبع المعلوم ويتعلق به على ما هو عليه ولا يؤثر فيه ولا يغيره.
فإن كان الشيء ممكنا في نفسه مساويا للممكن الآخر الذي في مقابلته فالعلم يتعلق به على ما هو عليه ولا يجعل أحد الممكنين مرجحا على الآخر. بل نعقل الممكنين ويعقل تساويهما ، والله سبحانه وتعالى يعلم أن وجود العالم في الوقت الذي وجد فيه كان ممكنا ، وأن وجوده بعد ذلك وقبل ذلك كان مساويا له في الإمكان لأن هذه الامكانات متساوية ، فحق العلم أن يتعلق بها كما هو عليه فإن اقتضت صفة الإرادة وقوعه في وقت معين تعلق العلم بتعيين وجوده في ذلك الوقت لعلة تعلق الإرادة به فتكون الإرادة للتعيين علة ويكون العلم متعلقا به تابعا له غير مؤثر فيه ، ولو جاز أن يكتفى بالعلم عن الإرادة لاكتفي به عن القدرة ، بل كان ذلك يكفي في وجود أفعالنا حتى لا نحتاج إلى الإرادة ، إذ يترجح أحد الجانبين بتعلق علم الله تعالى به وكل ذلك محال.
فإن قيل : وهذا ينقلب عليكم في نفس الإرادة ، فإن القدرة كما لا تناسب أحد الضدين فالإرادة القديمة أيضا لا تتعين لأحد الضدين ، فاختصاصها بأحد الضدين ينبغي أن يكون بمخصص ويتسلسل ذلك إلى غير نهاية ، إذ يقال الذات لا تكفي للحدوث ، إذ لو حدث من الذات لكان مع الذات غير متأخر فلا بد من القدرة والقدرة لا تكفي إذ لو كان للقدرة لما اختص بهذا الوقت وما قبله وما بعده في النسبة إلى جواز تعلق القدرة بها على وتيرة ، فما الذي خصص هذا الوقت فيحتاج إلى الإرادة؟
فيقال : والإرادة لا تكفي ، فإن الإرادة القديمة عامة التعلق كالقدرة ، فنسبتها إلى الأوقات واحدة ونسبتها إلى الضدين واحدة ، فإن وقع الحركة مثلا بدلا عن السكون لأن الإرادة تعلقت بالحركة لا بالسكون.
فيقال : وهل كان يمكن أن يتعلق بالسكون؟