أجلّ الموجودات
وأرفعها ، والآخر المقدر ناقص ليس بالإله ، ونحن إنما نمنع العدد في الإله ،
والإله هو الذي يقال فيه بالقول المطلق أنه أرفع الموجودات وأجلها ، وإن كان أدنى
منه كان محالا ، لأنه ناقص ونحن نعبر بالإله عن أجل الموجودات فلا يكون الاجل إلا
واحدا ، وهو الإله ولا يتصور اثنان متساويان في صفات الجلال ، إذ يرتفع عند ذلك
الافتراق ويبطل العدد كما سبق.
فان قيل : بم
تنكرون على من لا ينازعكم في إيجاد من يطلق عليه اسم الإله ، مهما كان الإله ، عبارة
عن أجل الموجودات ، ولكنه يقول العالم كله بجملته ليس بمخلوق خالق واحد ، بل هو
مخلوق خالقين ، أحدهما مثلا خالق السماء والآخر خالق الأرض ، أو احدهما خالق
الجمادات والآخر خالق الحيوانات وخالق النبات : فما المحيل لهذا؟ فإن لم يكن على
استحالة هذا دليل ، فمن أين ينفعكم قولكم أن اسم الإله لا يطلق على هؤلاء؟ فإن هذا
القائل يعبر بالإله عن الخالق ، أو يقول أحدهما خالق الخير والآخر خالق الشر ، أو
أحدهما خالق الجواهر والآخر خالق الأعراض ، فلا بدّ من دليل على استحالة ذلك.
فنقول : يدل على
استحالة ذلك أن هذه التوزيعات للمخلوقات على الخالقين في تقدير هذا السائل لا تعدو
قسمين : إما أن تقتضي تقسيم الجواهر والأعراض جميعا حتى خلق أحدهما بعض الأجسام
والأعراض دون البعض ، أو يقال كل الأجسام من واحد وكل الأعراض من واحد ، وباطل أن
يقال إن بعض الأجسام بخلقها واحد كالسماء مثلا دون الأرض ؛ فإنا نقول خالق السماء
هل هو قادر على خلق الأرض أم لا ، فإن كان قادرا كقدرته ، لم يتميز أحدهما في
القدرة عن الآخر ، فلا يتميز في المقدور عن الآخر فيكون المقدور بين قادرين ولا
تكون نسبته إلى أحدهما بأولى من الآخر ، وترجع الاستحالة إلى ما ذكرناه من تقدير
تزاحم متماثلين من غير فرق ، وهو محال. وإن لم يكن قادرا عليه فهو محال لأن
الجواهر متماثلة وأكوانها التي