الباطنية ، فإن قيل فإن تسامحتم بخصلة العلم لزمكم التسامح بخصلة العدالة وغير ذلك من الخصال ، قلنا : ليست هذه مسامحة عن الاختيار ولكن الضرورات تبيح المحظورات ، فنحن نعلم أن تناول الميتة محظور ولكن الموت أشد منه ، فليت شعري من لا يساعد على هذا ويقضي ببطلان الإمامة في عصرنا لفوات شروطها وهو عاجز عن الاستبدال بالمتصدي لها بل هو فاقد للمتصف بشروطها ، فأيّ أحواله أحسن : أن يقول القضاة معزولون والولايات باطلة والأنكحة غير متعقدة وجميع تصرفات الولاة في أقطار العالم غير نافذة ، وإنما الخلق كلهم مقدمون على الحرام ، أو أن يقول الإمامة منعقدة والتصرفات والولايات نافذة بحكم الحال والاضطرار ، فهو بين ثلاثة أمور إما أن يمنع الناس من الأنكحة والتصرفات المنوطة بالقضاة وهو مستحيل ومؤدي إلى تعطيل المعايش كلها ويفضي إلى تشتيت الآراء ومهلك للجماهير والدهماء أو يقول إنهم يقدمون على الأنكحة والتصرفات ولكنهم مقدمون على الحرام ، إلا أنه لا يحكم بفسقهم ومعصيتهم لضرورة الحال ، وإما أن نقول يحكم بانعقاد الإمامة مع فوات شروطها لضرورة الحال ومعلوم أن البعيد مع الأبعد قريب ، وأهون الشرين خير بالإضافة ، ويجب على العاقل اختياره ، فهذا تحقيق هذا الفصل وفيه غنية عند البصير عن التطويل ولكن من لم يفهم حقيقة الشيء وعلته وإنما يثبت بطول الألفة في سمعه فلا تزال النفرة عن نقيضه في طبعه إذ فطام الضعفاء عن المألوف شديد عجز عنه الأنبياء فكيف غيرهم.
فإن قيل : فهلا قلتم إن التنصيص واجب من النبي والخليفة كي يقطع ذلك دابر الاختلاف كما قالت بعض الإمامية إذ ادعوا أنه واجب ، قلنا : لأنه لو كان واجبا لنص عليه الرسول عليهالسلام ، ولم ينص هو ولم ينص عمر أيضا بل ثبتت إمامة أبو بكر وإمامة عثمان وإمامة علي رضي الله عنهم بالتفويض ، فلا تلتفت إلى تجاهل من يدعي أنه صلىاللهعليهوسلم نص على علي لقطع النزاع ولكن الصحابة كابروا النص وكتموه ، فأمثال ذلك يعارض بمثله ويقال : بم تنكرون على من قال إنه نص على أبي بكر فأجمع الصحابة على موافقته النص
الاقتصاد في الاعتقاد (١٥)