وأما الميزان فهو أيضا حق وقد دلت عليه قواطع السمع ، وهو ممكن فوجب التصديق به. فإن قيل : كيف توزن الأعمال وهي أعراض وقد انعدمت ، والمعدوم لا يوزن؟ وإن قدرت إعادتها وخلقها في جسم الميزان كان محالا لاستحالة إعادة الأعراض ، ثم كيف تخلق حركة يد الانسان وهي طاعته في جسم الميزان؟ أيتحرك بها الميزان فيكون ذلك حركة الميزان لا حركة يد الانسان ، أم لا تتحرك فتكون الحركة قد فاتت بجسم ليس هو متحركا بها ، وهو محال؟ ثم إن تحرك فيتفاوت من الميزان بقدر طول الحركات وكثرتها لا بقدر مراتب الأجور ، فرب حركة بجزء من البدن يزيد إثمها على حركة جميع البدن فراسخ فهذا محال. فنقول : قد سئل النبي صلىاللهعليهوسلم عن هذا فقال : توزن صحائف الأعمال فإن الكرام الكاتبين يكتبون الأعمال في صحائف هي أجسام ، فاذا وضعت في الميزان خلق الله تعالى في كفتها ميلا بقدر رتبة الطاعات وهو على ما يشاء قدير).
فإن قيل : فأي فائدة في هذا؟ وما معنى المحاسبة؟ قلنا : لا نطلب لفعل الله تعالى فائدة : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (١). تم قد دللنا على هذا. ثم أي بعد في أن تكون الفائدة فيه أن يشاهد العبد مقدار أعماله ويعلم أنه مجزي بها بالعدل أو يتجاوز عنه باللطف ، ومن يعزم على معاقبة وكيله بجنايته في أمواله أو يعزم على الإبراء فمن أين يبعد أن يعرفه مقدار جنايته بأوضح الطرق ليعلم أنه في عقوبته عادل وفي التجاوز عنه متفضل. هذا إن طلبت الفائدة لأفعال الله تعالى ، وقد سبق بطلان ذلك. وأما الصراط فهو أيضا حق ، والتصديق به واجب ، لأنه ممكن ، فإنه عبارة عن جسر ممدود على متن جهنم يرده الخلق كافة ، فإذا توافوا عليه قيل للملائكة
__________________
(١) سورة الأنبياء الآية : ٢٣.