العجيب والمنهاج الخارج عن مناهج كلام العرب في خطبهم وأشعارهم وسائر صنوف كلامهم ، والجمع بين هذا النظم وهذه الجزالة معجز خارج عن مقدور البشر ، نعم ربما يرى للعرب أشعار وخطب حكم فيها بالجزالة ، وربما ينقل عن بعض من قصد المعارضة مراعاة هذا النظم بعد تعلمه من القرآن ، ولكن من غير جزالة بل مع ركاكة كما يحكى عن ترهات مسيلمة الكذاب حيث قال : الفيل وما أدراك ما الفيل له ذنب وثيل وخرطوم طويل. فهذا وأمثاله ربما يقدر عليه مع ركاكة يستغثها الفصحاء ويستهزءون بها ، وأما جزالة القرآن فقد قضى كافة العرب منها العجب ولم ينقل عن واحد منهم تشبث بطعن في فصاحته ، فهذا إذا معجز وخارج عن مقدور البشر من هذين الوجهين ، أعني من اجتماع هذين الوجهين ، فإن قيل : لعل العرب اشتغلت بالمحاربة والقتال فلم تعرج على معارضة القرآن ولو قصدت لقدرت عليه ، أو منعتها العوائق عن الاشتغال به ، والجواب أن ما ذكروه هوس ، فإن دفع تحدي المتحدي بنظم كلام أهون من الدفع بالسيف مع ما جرى على العرب من المسلمين بالأسر والقتل والسبي وشن الغارات ، ثم ما ذكروه غير دافع غرضنا ، فإن انصرافهم عن المعارضة لم يكن إلا بصرف من الله تعالى ، والصرف عن المقدور المعتاد من أعظم المعجزات ، فلو قال نبيّ آية صدقي أني في هذا اليوم أحرك إصبعي ولا يقدر أحد من البشر على معارضتي ، فلم يعارضه أحد في ذلك اليوم ، ثبت صدقه ، وكان فقد قدرتهم على الحركة مع سلامة الأعضاء من أعظم المعجزات ، وإن فرض وجود القدرة ففقد داعيتهم وصرفهم عن المعارضة من أعظم المعجزات ، مهما كانت حاجتهم ماسة إلى الدفع باستيلاء النبيّ على رقابهم وأموالهم ، وذلك كله معلوم على الضرورة ، فهذا طريق تقدير نبوته على النصارى ، ومهما تشبثوا بانكار شيء من هذه الأمور الجليلة فلا تشتغل الا بمعارضتهم بمثله في معجزات عيسى عليهالسلام.