رسولنا عليهالسلام مصدقا بموسى عليهالسلام وحاكما على اليهود بالتوراة في حكم الرجم وغيره ، فلا عرض عليه من التوراة ذلك ، وما الذي صرفهم عنه ومعلوم قطعا أن اليهود لم يحتجوا به لأن ذلك لو كان لكان مفحما لا جواب عنه ولتواتر نقله ، ومعلوم أنهم لم يتركوه مع القدرة عليه ولقد كانوا يحرصون على الطعن في شرعه بكل ممكن حماية لدمائهم وأموالهم ونسائهم ، فإذا ثبت عليهم نبوة عيسى أثبتنا نبوة نبينا عليهالسلام بما نثبتها على النصارى.
الفرقة الثالثة ، وهم يجوزون النسخ ولكنهم ينكرون نبوة نبينا من حيث أنهم ينكرون معجزته في القرآن ، وفي إثبات نبوته بالمعجزة طريقتان :
الطريقة الأولى ، التمسك بالقرآن. فإنا نقول : لا معنى للمعجزة إلا ما يقترن بتحدّي النبيّ عند استشهاده على صدقه على وجه يعجز الخلق عن معارضته ، وتحديه على العرب مع شغفهم بالفصاحة واغراقهم فيها متواتر ، وعدم المعارضة معلوم ، إذ لو كان لظهر ، فإن أرذل الشعراء لما تحدوا بشعرهم وعورضوا ظهرت المعارضات والمناقضات الجارية بينهم ، فاذا لا يمكن إنكار تحديه بالقرآن ولا يمكن إنكار اقتدار العرب على طريق الفصاحة ولا يمكن انكار حرصهم على دفع نبوته بكل ممكن حماية لدينهم ودمهم ومالهم وتخلصا من سطوة المسلمين وقهرهم ، ولا يمكن إنكار عجزهم لأنهم لو قدروا لفعلوا ، فان العادة قاضية بالضرورة بأن القادر على دفع الهلاك عن نفسه يشتغل بدفعه ، ولو فعلوا لظهر ذلك ونقل ، فهذه مقدمات بعضها بالتواتر وبعضها بجاري العادات وكل ذلك مما يورث اليقين فلا حاجة إلى التطويل ، وبمثل هذا الطريق تثبت نبوة عيسى ولا يقدر النصراني على إنكار شيء من ذلك ؛ فانه يمكن أن يقابل بعيسى فينكر تحديه بالنبوة او استشهاده باحياء الموتى أو وجود إحياء الموتى أو عدم المعارضة أو يقال عورض ولم يظهر ، وكل ذلك مجاحدات لا يقدر عليها المعترف بأصل النبوات. فإن قيل : ما وجه إعجاز القرآن؟ قلنا الجزالة والفصاحة مع النظم