ليحرم نبيّه (عليه السلام) أفضل درجات العلم ، التي هي درجة الاستنباط (١).
ثمّ استدلّ أيضاً بقوله تعالى : (وشاوِرْهم في الأمر) (٢) ، وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) شاور أصحابه في كثير من الأُمور التي تتعلّق بالدين ، من أمر الحروب وغيرها ; كـ : مشورته في النزول في بدر ، ومشورته أبا بكر وعمر في أُسارى بدر ، وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى أن يعطي المشركين في الخندق نصف ثمار المدينة ، فكتب الكتاب ، فلمّا أراد أن يشهد فيه وحضر الأنصار قالوا : يا رسول الله! أرأي رأيته أم وحي؟ فقال : بل رأيي. فقالوا : فإنّا لا نعطيهم شيئاً ، وكانوا لا يطمعون فيها في الجاهلية أن يأخذوا منها ثمرة إلاّ قِرىً أو مشرىً ، فكيف وقد أعزّنا الله بالإسلام؟!
ولمّا أخبره عبد الله بن زيد بما رأى من أمر الأذان أمَر بلالاً فأذّن به من غير انتظار الوحي (٣) ; وقال : «ولا فرق بين الاجتهاد في أمر الحروب وبينه في حوادث الأحكام».
وبقوله تعالى : (عفا اللهُ عنكَ لِمَ أذِنْتَ لهمْ) (٤) و (عبس وتولّى * أن جاءه الأعمى) (٥) ، وغير ذلك من الآي التي نبّه الله تعالى نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه على موضع إغفاله وعاتبه عليه.
وكذلك قصّة تبليغ «سورة براءة» مع أبي بكر ; فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : أنّه لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك. فدفعها إلى عليّ (عليه السلام).
____________
(١) الفصول في الأُصول ـ للجصّاص ـ ٢ / ٩٣.
(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٥٩.
(٣) رواه أبو داود في سننه : كتاب الصلاة ، باب : كيف الأذان ، ١ / ١٣٥ ح ٤٩٩ ، وابن ماجة في سننه ١ / ٢٣٢ ح ٧٠٦.
(٤) سورة التوبة (براءة) ٩ : ٤٣.
(٥) سورة عبس ٨٠ : ١ و ٢.