وهذا القول اختيار الزجّاج ) .
فأمّا قوله : ( وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ ) ، فلقائل أن يقول : إنّهم أسلموا ، فكيف يليق بهم هذا الكلام ؟! والجواب من وجهين :
الأوّل : المراد من الإسلام : الذي هو نقيض الحرب ؛ لأنّهم لمّا نافقوا ، فقد أظهروا الإسلام ، وجنحوا إليه ، فإذا جاهروا بالحرب ، وجب حربهم .
والثاني : أنّهم أظهروا الكفر بعد أن أظهروا الإسلام .
وأمّا قوله : ( وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ) ، المراد : إطباقهم علىٰ الفتك بالرسول ، والله تعالىٰ أخبر الرسول عليه السلام بذلك حتّىٰ احترز عنهم ، ولم يصلوا إلىٰ مقصودهم . .
ـ إلىٰ أن قال في ذيل الآيات الثلاث التي تتلو الآية المزبورة ـ : اعلم أنّ هذه السورة أكثرها في شرح أحوال المنافقين ، ولا شكّ أنّهم أقسام وأصناف ، فلهذا السبب يذكرهم علىٰ التفصيل » (١) .
أقول :
قد مرّ بنا في الحلقات السابقة (٢) أنّ سورة التوبة ( البراءة ) سمّيت : « الفاضحة » ؛ فعن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عبّاس : سورة التوبة ؟
فقال : التوبة ؟! بل هي الفاضحة ، ما زالت تنزل : « ومنهم . . » حتّىٰ ظننّا أن لن يبقىٰ منّا أحد إلّا ذُكر فيها . .
__________________
(١) التفسير الكبير ـ للرازي ـ ١٦ / ١٣٦ ـ ١٣٨ .
(٢) راجع : الحلقة (٣) من هذا المقال ، المنشورة في تراثنا ، العددان الثالث والرابع [ ٥٩ ـ ٦٠ ] لسنة ١٤٢٠ هـ .