قال المأمون ليحيى بن أكثم : صف لى حالى عند الناس. فقال : يا أمير المؤمنين! قد انقادت لك الأمور بأزمّتها ، وملّكتك الأمة فضول أعنّتها ؛ بالرغبة إليك والمحبة لك ، والرّفق منك ، والعياذ بك ، بعدلك فيهم ، ومنّك عليهم ، حتى لقد أنسيتهم سلفك ، وآيستهم خلفك. فالحمد لله الذى جمعنا بك بعد التقاطع ، ورفعنا فى دولتك بعد التواضع.
فقال : يا يحيى ، أتحبيرا ، أم ارتجالا؟ قال : قلت : وهل يمتنع فيك وصف ، أو يتعذّر على مادحك قول ، أو يفحم فيك شاعر ، أو يتلجلج فيك خطيب؟
وقدم على المهدىّ رجل من أهل خراسان ، فقال : أطال الله بقاء أمير المؤمنين ؛ إنّا قوم نأينا عن العرب ، وشغلتنا الحروب عن الخطب ، وأمير المؤمنين يعلم طاعتنا ، وما فيه مصلحتنا ؛ فيكتفى منا باليسير عن الكثير ، ويقتصر على ما فى الضمير دون التفسير. فقال المهدى : أنت أخطب من سمعته.
وأخبرنا أبو القاسم عبد الوهاب بن محمد الكاغذى ، قال : أخبرنا أبو بكر العقدى ، قال : أخبرنا أبو جعفر الخراز ، قال : أخبرنا المدائنى : أن أعرابيا دخل على المنصور فتكلّم ؛ فأعجب بكلامه ، فقال له : سل حاجتك ، فقال : يبقيك الله ، ويزيد فى سلطانك. فقال : سل حاجتك ، فليس فى كلّ وقت تؤمر بذاك. قال : ولم يا أمير المؤمنين؟ فو الله ما أستقصر عمرك ، ولا أخاف بخلك ، ولا أغتنم مالك ؛ وإنّ سؤالك لشرف ، وإن عطاءك لزين ، وما بامرئ بذل وجهه إليك نقص ولا شين.
أخذ المعنى الأخير من أمية بن الصلت فى عبد الله بن جدعان (١) :
عطاؤك زين لامرئ إن حبوته |
|
بسيب وما كلّ العطاء يزين |
وليس بشين لامرئ بذل وجهه |
|
إليك ، كما بعض السؤال يشين |
__________________
(١) ديوانه : ٦٣.