ومنه قوله عز اسمه : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) ؛ فاستعمل النور مكان الهدى ، لأنه أبين ، والظلمة مكان الكفر لأنها أشهر. وكذلك قوله تعالى : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) ، وأصل الوزر ما حمله الإنسان على ظهره. ومن ذلك قوله عزوجل : (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها) أى أحمالا من حليهم ، فذكر الحمل وأراد الإثم لما فى وضع الحمل عن الظهر من فضل الاستراحة ، وحسن ذكر إنقاض الظهر وهو صوته لذكر الحمل ؛ لأن حامل الحمل الثقيل جدير بإنقاض الظهر ، والأوزار أيضا : السلاح. ومنه قوله تعالى : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها). وقال الشاعر :
وأعددت للحرب أوزارها |
|
رماحا طوالا وخيلا ذكورا (١) |
وقوله تعالى : (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) ؛ أى ترخصوا. والاستعارة أبلغ ؛ لأن قولك : أغمض عن الشىء أدعى إلى ترك الاستقصاء فيه من قولك : رخص فيه. وكذلك قوله تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) معناه فإنه يماسّ المرأة وزوجها يماسّها. والاستعارة أبلغ ؛ لأنها أدل على اللصوق وشدة المماسة. ويحتمل أن يقال : إنهما يتجردان ويجتمعان فى ثوب واحد ويتضامّان فيكون كل واحد منهما للآخر بمنزلة اللباس ؛ فيجعل ذلك تشبيها بغير أداة التشبيه.
ولا بد لكل استعارة ومجاز من حقيقة ، وهى أصل الدلالة على المعنى فى اللغة ، كقول امرئ القيس (٢) :
وقد أغتدى والطير فى وكناتها |
|
بمنجرد قيد الأوابد هيكل (٣) |
__________________
(١) البيت للأعشى : قال فى اللسان قال ابن برى : وصواب إنشاده بفتح التاء من أعددت ، لأنه يخاطب هوذة بن على الحنفى.
(٢) ديوانه : ٣٤
(٣) الوكنات : المواضع التى تأوى إليها الطير فى رءوس الجبال. والمنجرد : الفرس القصير الشعر ، وذلك من صفة الخيل العتاق. والأوابد : واحده آبدة الوحش. والهيكل : الفرس الفخم المشرف.