(وَكَذلِكَ
أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) وقال (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ
الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) وقال (وَكُلَّ شَيْءٍ
فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) وذكر الله تعالى لنبيه حال قريش فى بلاغة المنطق ورجاحة
الأحلام وصحة العقول وذكر العرب وما فيها من الدهاء والنكراء ، والمكر ومن براعة
الألسنة واللّدد عند الخصومة ، فقال تعالى (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ
سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) وقال (وَيُشْهِدُ اللهَ
عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) وقال أآلهتنا خير أم هو ، ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم
خصمون» ثم ذكر خلابة ألسنتهم واستمالتهم الأسماع بحسن منطقهم ، فقال (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) ثم قال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) مع قوله (وَإِذا تَوَلَّى سَعى
فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) .
وقد لاحظ الجاحظ «أن
الله تبارك وتعالى إذا خاطب العرب والأعراب أخرج الكلام مخرج الإشارة والوحى
والحذف وإذا خاطب بنى اسرائيل وحكى عنهم جعله مبسوطا وازداد فى الكلام» .
ويرى أن التنزيل
قد أولى اللفظ عناية خاصة فاختاره بدقة ليدل على المعانى بلا اشتغال وقد يشترك
لفظان فى المعنى ، ولكن أحدهما أدق من الآخر فى الدلالة عليه ، والنظم القرآنى له
براءته فى تنزيل اللفظ منزلته وفى الموضع الذى أريد له ، ويمتاز بروعته أيضا فى
الاختيار ومراعاة الفروق بين الألفاظ فلا يأتى بالألفاظ المترادفة دالا على معنى
واحد وإنما للدلالة على معان مختلفة ، وبقدر إصابة المعنى يكون الفرق بين ألفاظ
الناس فى كلامهم وألفاظ القرآن فى اختياره ، يقول الجاحظ «وقد يستخف الناس ألفاظا
ويستعملونها وغيرها أحق بذلك منها ألا ترى أن الله تبارك وتعالى لم يذكر فى القرآن
الجوع إلا فى موضع العقاب أو فى موقع الفقر المدقع والعجز الظاهر ، والناس لا
يذكرون السّغب ويذكرون الجوع فى حالة القدرة والسلامة ، وكذلك ذكر المطر ، لأنك لا
تجد القرآن يلفظ بها إلا فى وضع الانتقام ، والعامة وأكثر الخاصة لا يفصلون بين
ذكر المطر وبين الغيث» .
__________________