لذا رأيت أن أكرس جهدى لدرس جهد المعتزلة والأشاعرة إن معظم الآثار التى دارت حول الاعجاز هى لمعتزلى أو لأشعرى.
واختططت للبحث منهجا تاريخيا ، فبعد تمهيد عن نشأة علم الكلام وازدهاره وعن نشأة المعتزلة وارتقائها ثم تدهورها تعرضت لجهود النظام ثم الجاحظ يليهما الجبائيات أو على وابنه أبو هاشم ثم الرّمّانى ثم القاضى العظيم عبد الجبار ، وكان ذلك الباب الأول. وقد جعلت الباقلانى وعبد القاهر الجرجانى ـ الأشعريين ـ فى باب ثان أفردته للأشاعرة ونظرية إعجاز القرآن ، وحين تعرضت للزمخشرى ، وما بذله من جهد محمود لم أستطع أن أضعه مع قرنائه فى الباب الأول ، لأنه قد تأثر تأثرا مباشرا بعبد القاهر الجرجانى فاقتضى البحث أن نتعرف أولا على ما قدّمه الجرجانى ثم نقفى ذلك بما زاده الزمخشرى.
ولم يقتصر الأمر على ما بلغ ، فهناك ثلاثة متكلمين بحثوا فى الإعجاز ، أحدهما ظاهرى : وهو ابن حزم الأندلسى والآخران : معتزلى : وهو السكاكى ، وأشعرى : وهو الرازى ، وقد درسوا الإعجاز وتوصلوا فيه إلى رأى خاص بهم طريف ولكنه ليس فى روعة ما فعله الأولون.
وأخيرا انتهى بى البحث إلى أن أتساءل ما ذا قدم المعتزلة للإعجاز وكذا الأشاعرة؟ وفيما اتفقا وفيم اختلفا؟
وبعد ـ فلا بد أن أشير هنا إلى أنّهم قد قدّموا الجديد فى ميدان النقد وميدان البلاغة ، وهل كانت قضية الإعجاز إلا جانبا فلسفيا يعضّده آخر فنى جمالى؟
أما عن المصادر ، فقد تنوعت تبعا لطبيعة البحث ـ وكانت كتب الفرق فى مقدمة المصادر ، وعليها ملحظ ، فمعظم من درس الفرق من المتكلمين كان أشعريا ، فأدى به تعصّبه أن يظلم المعتزلة ويشوّه. آراءهم أو يبترها أو يعتمد على المشهور منها بلا تمحيص ، استخفافا بهم ـ ويظهر أن كتابات ابن الراوندى المخلوع من المعتزلة ، كانت مصدر الأشاعرة عن المعتزلة ، فكيف يطمئنّ إليها ، ولو لا أن قيّض الله لكتب القاضى عبد الجبار أن تظهر وتشرح الرأى الواضح للمعتزلة ، لظل تعصب الأشاعرة فى كتبهم منبعا لنا فى تفهّم آراء المعتزلة وفى