الطبيعة ورقدة الدنيا فيطلعون على نتائج معاصيهم وجهالاتهم وخسران نفوسهم ، فيتأذون ويتألمون غاية الأذى والألم ، فيلحقهم الندامة والحسرة ، ويكون حالهم حال من لسعته العقارب والحيات عند سكرة الشديد والخدر ، فإذا زال عنه السكر وأفاق عن سكره وخدره ، أصبح متألما متأذيا غاية الألم والأذى ، كما سيأتي توضيحه في مباحث المعاد.
وبالجملة نشأة الآخرة أشرف من نشأة الدنيا ، مع أن عذاب الآخرة أشد وأقوى ، وأمر وأدهى ، لتأكد الوجود وشدة الإدراك وقوة الحس وحدة البصر.
ومنها قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ...) هذه الأيام ليست من أيام الدنيا التي يتم كل منها في دورة الشمس بحركة الفلك الأقصى ، بل من أيام الآخرة وأيام الربوبية التي كل يوم منها مواز لألف سنة من أيام الدنيا المعدودة لقوله تعالى : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) فهذه الستة الأيام هي ستة آلاف سنة من زمن آدم عليهالسلام مبدأ خلق الكائنات بحسب ما يعده أهل التواريخ ويضبطه المنجمون إلى بعثة الرسول الخاتم صلىاللهعليهوآله ونزول القرآن ، فالله سبحانه أخبر عن خلق المكونات في هذه المدة ، وذلك لأن الحادث التدريجي الوجود زمان حدوثه بعينه زمان ثبوته واستمراره ، إذ لا بقاء له إلا الحدوث ـ التجددي.
فعلم بالبرهان والقرآن جميعا ، أن هذا العالم الجسماني بكله حادث مسبوق بالعدم الزماني ولا بقاء للجسم الطبيعي ، لأنه في ذاته لا يخلو عن الحدوث ، وما لا يخلو في ذاته عن الحدوث فهو حادث الهوية ، تدريجي الذات متغير ـ الكون ، لكن الحقائق النوعية ثابتة الوجود في علم الله فعلمه تعالى بالأشياء ثابتة غير متغير والمعلومات متكثرة متغيرة ، كما أن قدرته أزلية والمقدورات حادثة ، كما قال الله : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ).
واعلم أن أيام الإلهية غير أيام الربوبية لأن اليوم الإلهي هو يوم ذي المعارج مدته توازي خمسين ألف سنة ، كما قال : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ