أخذ الزاد والاستعداد برياضة المركب وعلف الدابة لسفر المعاد ، والمقصود منه كيفية معاملة الإنسان مع أعيان هذه الدنيا التي بعضها داخلة فيه ، كالنفس وقواها الشهوية والغضبية برياضتها وإصلاحها حتى لا يكون جموحا بل رائضة حمولة يصلح للركوب في السفر إلى الآخرة والذهاب إلى الرب تعالى ، كما في قوله تعالى حكاية عن الخليل عليهالسلام : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) وهذا العلم يسمى تهذيب الأخلاق. وبعضها خارجة ، إما مجتمعة في منزل واحد كالوالد والولد والأهل والخدم ، ويسمى تدبير المنزل ، أو في مدينة واحدة أو أكثر ، ويسمى علم السياسة وأحكام الشريعة ، كالقصاص والديات والأقضية والحكومات وغيرها ، فهذه ستة أقسام من مقاصد القرآن ونحن نقتصر في هذا الكتاب على إيراد القواعد المتعلقة بالثلاثة المهمة التي هي بالحقيقة أركان الإيمان وأصول العرفان ، وقد فتح الله على قلبنا من أبوابها ما لم يذكر في شيء من المصنفات من أسرار الآيات ورموز الكلام الإلهي.
وأما قواعد العلوم الفرعية فقد نصب الله لها أقواما قد استفرغوا جهدهم في تحصيلها وفنوا أعمارهم في شرحها وتفصيلها شكر الله حسنات مساعيهم وأثابهم جنات الأعمال (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
فالمقصد الأول ، وهو المعروف بمعرفة الربوبية مشتمل كما أشرنا إليه على ثلاث مراتب : معرفة الذات الإلهية ، ومعرفة صفاتها وأسمائها ، ومعرفة أفعالها.
أما معرفة الذات ، فهي أضيقها مجالا ، وأرفعها منالا ، وأبعدها عن الفكر والذكر ، إذ حقيقة الواجب ، جل مجده ، هوية بسيطة غير متناهية الشدة في ـ النورية والوجود ، وحقيقته عين التشخص والتعين ، لا مفهوم له ، ولا مثل ولا ـ مجانس ولا مشابه ، ولا حد له ، ولا برهان عليه ، بل هو البرهان على كل شيء فلا أعرف من ذاته ولا شاهد عليه ، بل هو الشاهد على الكل (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ، وهو القائم (عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) ، (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) ، (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) وليس للمعلول المقهور عليه أن يحيط بعلمه العلة له والقاهر عليه ، وإلا ، لانقلب المعلول علة ، والمقهور