فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) ، قد تشعب أقوال العلماء وأئمة التفسير ، واختلفت آرائهم في أن المراد من هذه الأمانة المخصوص يحملها الإنسان ما ذا ، فقائل إن المراد منها هو العقل فينتقض بالملك ، وقائل إنه التكليف فهو منقوض بالجن ، لأنه مساهم للإنسان في كونه مكلفا ، وقائل إنه التركيب بين الروح والجسد فنوقض بالفلك ، وقائل إنه الهيئة الاجتماعية الحاصلة من اجتماع القوى الفاعلة والمنفعلة والنفسانية والبدنية المدركة بأنواع الإدراكات الحسية والخيالية والوهمية والعقلية المحركة بأنواع الحركات الفكرية والإرادية والطبيعية والكمية والكيفية والأينية والوضعية ، وبالجملة كون الذات الواحدة بحيث يوجد فيها أنموذج سائر الأشياء ، وهو أيضا كما ترى لانتفاضه بصورة العالم الكبير ، لأنه أيضا شخص واحد له وحدة طبيعية ، ولأن شبه الجمعية المذكورة يوجد في بعض الحيوانات التامة الحواس سيما عند من يرى أن لها نفسا مدركة للكليات ، على أنه قد أهمل في كل من هذه الاحتمالات رعاية معنى الأمانة ومؤداها ، من كونها عارية مدة من الزمان ثم مردودة إلى أهلها وصاحبها. وتحقيق هذا المقام يستدعي تمهيد قاعدة ، وهي أن جميع الموجودات سوى الإنسان له حد خاص من قسط الوجود لا يتعداه ، وكل له مقام معلوم ، لا يتجاوزه ، وهو له ثابت بالفعل ليس فيه قوة الانتقال من طور إلى طور ومن كون إلى كون ، فالفلك في فلكيته ، والملك في ملكيته ، والشيطان في شيطنته ، والجماد في جماديته والنبات في نشوه ونمائه ، والحيوان في شهوته وغضبه ، كل منها في غاية ما له من الكمال والفعلية والتمام ، وأما الإنسان الكامل فإنه في كل ما له من الكمالات بلغ إليه ما بين صرافة القوة ومحوضة الفعل ، كما هو شأن المتحرك بما هو متحرك ، ألا ترى أنه ضعيف الجسمية ليس كالجبال والمعادن ، وأنه ضعيف النباتية ليس كالأشجار في قوة التغذية والتنمية والتوليد ، وأنه ناقص الحيوانية ليس كالأسد والفيل والحية والطير وغيرها من الحيوانات التامة في قوة