بحيث أبقاها في الزوايا المظلمة منها ، فلم يخرجها إلى الأجواء الصافية الطاهرة المشرقة بنور الحق ، فتركها لأهوائها التي تطوف بها تحركها ذات اليمين وذات الشمال ، وتستغرق في الأوضاع الحسيّة المادية التي يخلد فيها الإنسان إلى الأرض ، فيشرب من وحولها ، ويأكل من ترابها ، ويتحرك في كهوفها المظلمة ، فينطلق بفكر الباطل ، ويخضع لتصورات الشرّ ، وينفعل بمشاعر الظلم ، ويتحرك في مشاريع الكفر والضلال ، مما يجعل فكره فكر الخيبة الفكرية ، وروحه روح الفشل المعنوي ، وحركته حركة السقوط ، لأنه لم يحسن عملية الاختيار ، ولم يتحمل مسئولية المصير ، ولم ينفتح على الجانب المشرق الطاهر من الحياة ، ولم يستفد ، مما وهبه الله ، من قوّة العقل وحرية الإرادة في الاتجاه الصحيح ، ولم ينطلق من وحي الرسالات التي تضيف إلى العقل عقلا ، وإلى الروح روحا ، وإلى حياته انفتاحا على كل معاني الحق والخير والجمال.
* * *
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها)
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها* إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) وهذا نموذج تاريخي للناس الذين تحركوا في خط الخيبة الفكرية والروحية والعملية ، عند ما استسلموا لنوازع الكبرياء في ذواتهم ، وعاشوا الامتيازات الطبقية المستعلية التي يخافون عليها من كل رسالة تربط الناس بالله وتقودهم إلى توحيده ، وإلى الإخلاص في عبادته ، وإلى التقوى في أعمالهم التي يقدّمونها إليه ويتحركون بها بين يديه. وهكذا واجهوا الرسول الذي أرسله إليهم ـ وهو صالح ـ ليدعوهم إلى توحيد الله في العقيدة وفي العبادة ، والتقوى في الفكر والعمل والشعور ، وقدّم إليهم آية من آيات الله الكبرى التي توحي لهم بصدقه ، وتدلهم على عظمة الله في