كانوا يتحركون فيه.
(تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) حيث أشركنا ، وانحرفنا في سلوكنا (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) فنطيعكم من حيث تريدون ، ونعصي الله من حيث تأمرون ، (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) الذين عاشت الجريمة في كيانهم فكرا وحياة وسلوكا وضلالا وإضلالا ، فلم يكن لهم إيمان يمنعهم من السير في خطوات الكفر ، ولم تكن لهم تقوى تجنّبهم التحرك في ساحات المعصية ، ولم يكن لهم انفتاح روحيّ على الله ليبعدهم ذلك عن أجواء الشيطان .. وهكذا كانوا يستفيدون من غفلة الناس عن الإيمان والتقوى والروحانية ، ليضلوهم عن سبيل الله ، وليذهبوا بهم بعيدا عن مواقع رضاه.
وجاء في الكافي عن الإمام محمد الباقر عليهالسلام قال : وقولهم : (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) إذ دعونا إلى سبيلهم ذلك قول الله عزوجل فيهم إذ جمعهم إلى النار : (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ). وقوله : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً) [الأعراف : ٣٨] برىء بعضهم من بعض ولعن بعضهم بعضا يريد بعضهم أن يحج بعضا رجاء الفلج فيفلتوا جميعا من عظيم ما نزل بهم وليس بأوان بلوى ولا اختبار ولا قبول معذرة ولا حين نجاة (١).
(فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ) يشفعون لنا في ذنوبنا فنتخفف ـ بشفاعتهم ـ من نتائجها القاسية في عذاب النار ، كما كنا نأمل في الدنيا من شفاعة الشافعين الذين يملكون الوسائل المادية والمعنوية التي يتوسلون بها إلى تخليص أصدقائهم وأحبائهم من السجن والعقاب ، (وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) ينفتح على آلامنا وحسراتنا فيخفف عنا ثقل ذلك كله بعطفه وشفقته ، (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) إلى الدنيا فنرجع إلى ما كنا فيه من فرص وظروف ملائمة ، لنصحح ما فسد منا سابقا ،
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٥ ص : ٢٩٣.