في المرحلة اللاحقة ، أمرا ضروريا أيضا ، إلّا أنّ الحديث عن المرحلية بهذه «الطريقة الهندسية» التي تضع حدودا دقيقة لكل مرحلة ، بحيث تمنع أية مرحلة لاحقة من التداخل مع المرحلة السابقة أو الاقتراب منها ، قد لا يكون واقعيا بالمعنى الدقيق للكلمة لعدة أسباب:
أوّلا : إن ساحة الدعوة إلى الإسلام كبيرة وتشمل بلدانا كثيرة من العالم ، مما يفرض تنوّعا في الأسلوب بين البلاد الإسلامية وغيرها ، فالدعوة داخل البلاد الإسلامية تتعلق بالتفاصيل ، أو بتشكيل مفاهيم جديدة يستخرجها الداعية من الأحكام الشرعية ، ومقارنة تلك المفاهيم مع مفاهيم المبادىءالأخرى ، بأسلوب معاصر ، في سياق مواجهة التحديات الثقافية التي تفرض نفسها على الواقع الإسلامي من الخارج .. أما في البلاد غير الإسلامية ، فقد تحتاج الدعوة إلى عرض مفاهيم الإسلام العامة ، وتوضيح خطوطه العريضة ، ولكن بطريقة تختلف عن الطريقة التي استخدمت في صدر الإسلام ، وإن كانت تلتقي معها في بعض الأجواء ..
ثانيا : إن حركة المبادئ تختزن في داخلها حركة سياسية ، باعتبارها محاولة لنسف القواعد الفكرية التي يرتكز عليها هذا الفكر السياسي أو ذاك ، لأن التعقيدات المعاصرة جعلت السياسة جزءا من الاتجاه الفكري بعد أن كانت شأنا ذاتيا ، أو جزءا من حركة الواقع على مستوى السطح ، مما جعل ساحة الصراع السياسي متداخلة مع ساحة الصراع الثقافي ، في الخطوط العامة والتفاصيل ، وفي حركة الواقع ، فلا يستطيع العاملون الابتعاد في حركتهم عن السياسة خلال المرحلة الثقافية ، لأن الآخرين لا يسمحون لهم بذلك.
ثالثا : أن التوعية الفكرية تحوي من التعقيدات ما قد يفرض استخدام أساليب متنوّعة في التثقيف والتعبئة الثقافية لدى الأمّة ، ومنها أسلوبا الجهاد والممارسة السياسية ، لتوعية الأمّة بالقضايا المصيرية وبالتحديات الكبيرة التي