قصرها ، أن نشاهد منها ما نشاهده في الكينونات الجزئية التي ذكرناها ، فنرى بدء كينونتها أو انهدام وجودها ، لكن المادة هي المادة ، وأحكامها هي أحكامها ، والقوانين الجارية فيها لا تختلف ، ولا تتخلّف.
فتكرار انفعال جزئيات المركبات والمواليد من الأرض ، ونظير ذلك في الجو ، يدلنا على يوم كانت الجميع فيه رتقا منضمة غير منفصلة من الأرض ، وكذا يهدينا إلى مرحلة لم يكن فيها ميز بين السماء والأرض ، وكانت الجميع رتقا ففتقها الله تحت تدبير منظم متقن ظهر به كل منها على ما له من فعلية الذات وآثارها.
فهذا ما يعطيه النظر الساذج في كينونة هذا العالم المشهود بأجزائها العلوية والسفلية كينونة ممزوجة بالتدبير مقارنة للنظام الجاري في الجميع. وقد قربت الأبحاث العلمية الحديثة هذه النظرة ، حيث أوضحت أن الأجرام التي تحت الحس مؤلفة من عناصر معدودة مشتركة ، ولكل منها بقاء محدود وعمر مؤجّل وإن اختلفت بالطول والقصر» (١).
وقد توضح هذا المعنى النظرية القائمة وهي أن المجموعات النجمية ، كالمجموعة الشمسية وتوابعها ، ومنها الأرض والقمر ، كانت سديما ثم انفصلت وأخذت أشكالها الكروية ، وأن الأرض كانت قطعة من الشمس ثم انفصلت عنها وبردت. أمّا تعليقنا على ذلك ، فهو أن الفكرة طريفة ودقيقة ، ولكنها لا تقترب من الحالة الوجدانية التي يريد الله للإنسان أن يعيشها في تجربته الذاتية ، في ما قد يكون له بعض من العمق ، ولكنه يكون قريبا من الحسّ ، من خلال ما يمكن له أن يلتقي فيه ، عن طريق المشاهدة بالفكرة. هذا بالإضافة إلى أن استنتاج فكرة الرتق والفتق لما كانت عليه السماوات والأرض من التصاق ، من خلال انفصال المركبات الأرضية والجوية بعضها من بعض ،
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٤ ، ص : ٢٧٩ ـ ٢٨٠.