ليعود الأمر إليّ
كشخص ، بل تتعلق بالجانب الرسالي المتصل بالله. وبذلك فإن المسألة تعود إلى الله ،
فهو الذي يملك عقابهم على معصيتهم له وابتعادهم عن خط طاعته ، وهو الذي يملك
المغفرة والرحمة لهم ، إما بهدايتهم إلى الصراط المستقيم ليملكوا الرحمة من خلال
أسبابها ، وإما بالتفضّل عليهم بها تبعا لمقتضيات الحكمة. وإذا كان الله قد تحدث
في القرآن أنه لا يغفر لمن يشرك به ، فإن ذلك لا يعني استحالة ذلك منه ، كما لا
يعني أن طلب إبراهيم ذلك منه يمثل انحرافا ، لأنه خاطب الله بإرجاع الأمر إليه ،
من موقع القلب المفتوح المتسامح الذي تنفتح فيه الروح النبويّة على الحياة كلها
وعلى الآخرين بكل رحابة.
وإذا كان إبراهيم
قد بدأ إقامة البلد الجديد على أساس البيت الحرام ، ليكون قاعدة روحيّة لعبادة
الله ، للطائفين والركّع السجود ، فقد فكر أن يستعين بالله في تحويل قلوب الناس
إليه ، وإلى هذه الأسرة الصغيرة التي هي جزء من أسرته ، لأن المسألة تحتاج إلى
الرعاية الإلهية غير العادية ، في مثل ظروف هذه الأرض الصعبة ، حيث لا زرع فيها
ولا كلأ يغري بالمجيء إليها والسكن فيها.
(رَبَّنا إِنِّي
أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ
الْمُحَرَّمِ) ، لا من أجل الحصول على مكاسب دنيوية مادية أو معنوية ،
لأن الأرض لا توفر الفرصة لذلك ، (رَبَّنا لِيُقِيمُوا
الصَّلاةَ) ليعمروا البيت الحرام بالعبادة ، وليعلّموا الناس مناسكهم
، فيألف الناس من خلالهم الحج إلى هذا البيت استجابة لنداء إبراهيم الصادر من الله
إليه. وهكذا كان ترك النبي إبراهيم أهله هناك دون أيّة رعاية مادّية مباشرة ،
ليكونوا الأسرة الأولى التي تمثل قاعدة الحج للبيت الحرام ، وكان ذهابه إلى أرض
أخرى من أجل إكمال رسالته الشاملة لكل الناس تضحية رسالية من قبله ، (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ
تَهْوِي إِلَيْهِمْ) وتنجذب بعاطفتها الروحية إلى هذه الأرض ، لتكون قاعدة
تجارية وثقافية ، بالإضافة إلى كونها