الشريعة التي يريد الله أن يطاع من خلالها ، وبذلك فإنهم يضيفون إلى كفرهم بالله وبتوحيده كفرا بحدود الشريعة ونظامها.
أمّا النسيء ، فالمراد به ما كانت تفعله العرب في الجاهلية ، فإنهم ربما كانوا يؤخرون حرمة بعض الأشهر الحرم إلى غيره ، تبعا لمصالحهم في الحرب والسلم ، فإذا كانت مصلحتهم في الحرب جعلوا محرّمهم صفرا ، واعتبروا صفرا في السنة الثانية محرّما ، يمنعون فيه أنفسهم من القتال عوضا عما مضى ، فهم لا يرفضون الشريعة من الأساس ، بل يحاولون أن يتلاعبوا بعملية توقيتها وتحديدها في التقديم والتأخير ، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان الأساس الذي يرتكز عليه التشريع في إقامة الحياة على قواعد ثابتة يخضع لها الجميع من دون تمييز ومن دون إشكال. (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي الناس الآخرون في ما يفرضونه عليهم من هذا التغيير في حدود الله والتجاوز لها ، (يُحِلُّونَهُ عاماً) فيرون محرّما صفرا في هذه السنة (وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً) فيجرونه على ما كان عليه ويضيفون إليه بدله في العام القابل (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) ليوافقوا العدد المحرّم وإن ابتعدوا عن المضمون التشريعي له ، فتبقى الأشهر الأربعة في السنة موقع تحريم ، ولكن في أشهر أخرى غير ما شرّعها الله ، (فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ) من دون أن يأخذوا إذنا في ذلك ، فيشرّعون لأنفسهم ظلما وضلالا (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) فخيّل إليهم ـ في ما زيّنه لهم الشيطان ـ أنهم يملكون أمر ذلك كله ، لأن المهم هو العدد ، بعيدا عن خصوصية هذا الشهر أو ذاك ، لأن الزمن يشبه بعضه بعضا ، فلا مانع من وجهة نظرهم أن نقدم ما أخّره الله أو نؤخر ما قدمه (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) بإجبارهم على الهدى ، لأنه قد أقام عليهم الحجة بدلالتهم إلى طريق الهدى من خلال ما عقلوه وسمعوه من الأنبياء من وحي الله في آياته ، فإذا انحرفوا إلى طرق الضلال ، وظلموا أنفسهم بالسير فيها ، فإن الله يتركهم لأنفسهم ولا يهديهم سواء السبيل من جديد.
* * *