وسوسته ، بل وسوس إليهما معا (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) فكانا ، معا ، ضحية وسوسته وخداعه ، وقال : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) وحلف لهما معا بعد أن رأى ترددهما في الاستجابة له ، أو هكذا توحي القصة ، (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ). وهكذا أسقطهما ودلاهما بغرور ، فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وشعرا بالخزي والعار أمام هذه المعصية معا (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) وكان النداء لهما معا من خلال أنّ كل واحد منهما يتحمل المسؤولية في العصيان والاستسلام لخداع الشيطان بشكل مستقلّ من دون أيّ ارتباط بالآخر أو أيّة علاقة له به ، ولو كانت المسؤولية لأحدهما ، حواء ، دون الآخر ، آدم ، لأمكن له أن يعتذر بخضوعه لزوجه التي استعملت الضغط العاطفي عليه لإسقاطه ، تماما كما يحمّل التابعون المتبوعين تبعة ما فعلوه ، ولما شعرا بالموقف الصعب أمام الله ، تابا معا وانقطعا إليه (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ).
وهكذا نجد القرآن لا يحمّل المرأة المسؤولية عن سقوط آدم أمام التجربة ، بل يحمّل المسؤولية للرجل والمرأة على حدّ سواء ، للإيحاء العميق بأن للرجل خياره في الطاعة أو المعصية ، كما للمرأة خيارها ، لأن الله خلق لكل منهما عقلا يدرك الحسن والقبح ، وإرادة تملك الصلابة في الموقف ، فهما يقفان على قدم المساواة في خط المسؤولية.
وإذا كان الله قد تحدّث عن آدم في آية أخرى بلفظ المفرد في قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه : ١١٥] فليس ذلك إبعادا لحوّاء عن المسؤولية ، بل هو ، بلحاظ بعض المناسبات ، تذكير بموقف آدم من حيث هو مظهر الإنسان الذي يخضع لضعفه البشري لا بلحاظ شخصه ، والله العالم.