لا عهد للكافرين
وهكذا يختم الله هذا الفصل الذي حدثنا فيه عن هؤلاء الأقوام الذين قصّ علينا أمرهم ، فقد كانوا قوما ضالّين ، يعبدون الأصنام ويشركون بالله غيره ، ويكذبون بكل الحقائق الدينية ، وأرسل الله إليهم رسله بالبينات ، فصمّوا آذانهم عن الاستماع إليهم ، وأغلقوا قلوبهم عن التفكير والإيمان ، لأنهم لا يريدون أن تتغيّر حياتهم الفكرية والعملية عما درجوا عليه من عقائد آبائهم وأجدادهم وتقاليدهم ، وهذا هو السبب في انغلاق القلب عن الحقّ ، لأن توجهات الإنسان وتطلعاته هي التي تفتح قلبه وتغلقه ، في ما جعله الله من أسباب في خلق الإنسان ، وهذا ما أثاره الله في قوله : (تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) من حقائق الإيمان (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) برسله وآياته.
(وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ) ، لأن الإنسان الذي لا يؤمن بالله ، كما ينبغي للإيمان أن يكون ، لا يشعر بما يلزمه بالمواثيق ، فهو لا يعطي ميثاقا لأحد يقيّده في حياته ، وإذا أعطى مثل هذا الميثاق لمصلحة شخصية أو هوى ذاتيّ ، فإنه لا يجد أساسا روحيا للالتزام به ، إذا لم يكن هناك ضغط ماديّ يلزمه بذلك ، فعهد الإيمان بين الإنسان وربّه ، هو الذي يجعل من الإنسان إنسانا ملتزما يحفظ للناس عهودهم. (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) منحرفين عن خط الهدى والإيمان ، وذلك هو شأن الأكثرية التي اتّبعت أهواءها. أما المخلصون الذين وقفوا ضدّ التيّار ـ تيّار الكفر والشهوات والضلال ـ فهؤلاء هم الأقليّة التي عرفت الحق فآمنت به ، وعرفت الرسول فصدّقته واتّبعته وسارت معه.
* * *