النفسية الداخلية للإنسان تجاه ربه ، وتجاه كل ما حوله ومن حوله ... وعلى مستوى الأجواء العامة التي تسود آفاق الجنة على مستوى الطبيعة أو الناس ... (لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ) حاول بعض المفسرين أن يجعل الضمير في هذه الفقرة عائدا إلى أصحاب الجنة الذين كانوا ـ حين النداء ـ خارج الجنة ، فلم يكونوا قد دخلوها بعد ولكنهم يطمعون في دخولها لما يعرفونه من تاريخهم في الدنيا في ما قدّموه أمامهم من أعمال وحسنات ... وفسرها الكثيرون بأنّ المقصود بهؤلاء أصحاب الأعراف ، لأنهم يتحدّثون مع أهل الجنة كفريق مستقلّ لا يشاركهم في الصفة ، وإلا لكانوا منهم ... أما طمعهم في دخول الجنّة ، فلأنهم ليسوا بمستوى السوء الذي يمنعهم من دخولها ، لأنّهم ممن استوت حسناتهم وسيّئاتهم ، كما يقولون.
وربما كان هذا القول أقرب إلى سياق الآية ، لا سيّما بلحاظ الآية الثانية (* وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ) فشاهدوهم واطّلعوا على هول العذاب الذي يلاقونه ، فشعروا بالخوف والرعب فدفعهم ذلك إلى الابتهال والدعاء إلى الله (قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والتمرد والعصيان ... يلاحظ أنّ مثل هذا الدعاء ، قد يصدر من أهل المنزلة والكرامة في الدنيا ، حيث يعبّرون عن عظمة الله وخشيتهم منه بذلك ... أما في يوم القيامة ، فلا نجد ما يوحي بذلك ، لأن مجال الأعمال التي يخاف الإنسان من مسئوليتها السلبية ـ حتى بطريق الافتراض ـ قد انتهى بالنسبة إليهم ، فعرفوا أنهم مصدر كرامة الله ؛ بينما يعتبر ذلك أمرا طبيعيا بالنسبة إلى الذين استوت حسناتهم وسيّئاتهم ، الذين لا يزالون في خوف من مصيرهم ... ولذلك فهم يعملون على إظهار إخلاصهم لله ، بإخلاصهم لعباده المؤمنين من أهل الجنة ، بإلقاء التحية عليهم ؛ كما يعملون على إبراز خضوعهم له وخوفهم منه والإنكار على أهل النار في حوار مختصر معهم ... مما يؤكد موقفهم القلق الذي يحاول البحث عن أساس للثقة والاطمئنان في أكثر من اتجاه ... إن ذلك كله