إليك عن غيرك من غير عقد ولا ما يجري مجرى العقد ، وسمي بذلك المنتقل عن الميّت : يقال للقنية الموروثة : ميراث. وإرث وتراث أصله وراث ، فقلبت الواو ألفا وتاء ، قال : (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ) ، وقال (عليه الصلاة والسلام) اثبتوا على مشاعركم فإنكم على إرث أبيكم ، أي أصله وبقيته. قال الشاعر :
فينظر في صحف كالرّبا |
|
ط فيهنّ إرث كتاب محي |
... ويقال لكل من حصل له شيء من غير تعب : قد ورث كذا ، ويقال لمن خوّل شيئا مهنّئا : أورث ، قال تعالى : (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها) [الزخرف : ٧٢] ، (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ) (١) [المؤمنون : ١٠ ـ ١١].
وذكر صاحب تفسير الميزان وجها آخر قال : «وقد جعلت الجنة إرثا لهم في قبال عملهم ، وإنما يتحقق الإرث فيما إذا كان هناك مال أو نحوه مما ينتفع به وهو في معرض انتفاع شخص ثم زال عنه الشخص فبقي لغيره. يقال : ورث فلان أباه أي مات وترك مالا بقي له ، والعلماء ورثة الأنبياء أي مختصون بما تركوا لهم من العلم ، ويرث الله الأرض أي أنه كان خوّلهم ما بها من مال ونحوه ، وسوف يموتون فيبقى له ما خوّلهم.
وعلى هذا ، فكون الجنة إرثا لهم أورثوها ، معناه كونها خلقت معروضة لأن يكسبها بالعمل المؤمن والكافر جميعا ، غير أن الكافر زال عنها بشركه ومعاصيه فتركها فبقيت للمؤمن ، فهو الوارث لها بعمله ، ولو لا عمله لم يرثها قال تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) [المؤمنون : ١٠ ـ ١١] ، وقال تعالى ـ حكاية عن أهل الجنة ـ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) [الزمر : ٧٤].
وهذا أوضح مما ذكره الراغب في المفردات» (٢). وبعد أن يذكر ما
__________________
(١) مفردات الراغب ، ص : ٥٥٥ ـ ٥٥٦.
(٢) تفسير الميزان ، ج : ٨ ، ص : ١١٨.