معاندا كالسوفسطائية المنكرة للمحسوسات. وأما المعلوم بالإلهام على التخصيص فكالعلم بذوق الشعر وأوزان أبياته في بحوره وقد يعلم هذا الوزن أعرابيّ بوّال على عقبيه ويذهب عن معرفته حكيم يعرف قوانين أكثر العلوم النظرية وقد احتال أهل العروض في استنباط أصول عرفوا بها أوزان بحور الشعر غير أن الشعر قد طبع على ذوق من لم يعرف العروض ولا القياس في بابه وما ذاك إلّا تخصيص من الله تعالى له به. وكذلك العلم بصناعة الألحان غير مستنبط بالقياس ولا مدرك بالضرورة التي يشترك فيها العقلاء ولكنها من الخصائص التي يعلمها قوم دون قوم. وكل علم نظري يجوز عندنا أن يجعل الله ضروريا فينا على قلب هذه العادة كما خلق في آدم عليهالسلام علوما ضرورية عرف بها الأسماء من غير استدلال منه عليها ولا قراءة منه لها في كتاب ، كذلك القول في سائر العلوم النظرية عندنا وأما المعلوم بالضرورة فمن أصحابنا من قال : يجوز أن يعلمها كلها بالنظر والاستدلال ومنهم من قال ما علمناه منها بالحواس الخمس فجائز استدراكه بالاستدلال عليه عند غيبته عن الحس وما علمناه بالبديهة فلا يصح الاستدلال عليه لأن البداءة مقدّمات الاستدلال فلا بد من حصولها في المستدلّ قبل استدلاله. هذا قول أصحابنا ، وزعم النظّام وأتباعه من القدرية أن المعلوم بالقياس والنظر لا يجوز أن يصير معلوما بالضرورة ، وما كان معلوما بحس لا يجوز أن يصير معلوما من جهة النظر والخبر ، فلزمه على هذا القول أن يكون المعرفة بالله عزوجل في الآخرة نظرية استدلالية غير ضرورية وأن تكون الجنة دار استدلال ونظر وأن يكون لاعتراض السيئة فيها على أهل النظر مجال وأن يكونوا مكلّفين أبدا وأن يستحقوا على أداء ما كلّفوا فيها ثوابا في دار غيرها. وقيل له في المعلوم بالحواس : ألسنا نعلم البلدان التي لم ندخلها بالتواتر وإن كانت معلومة للذين أخبروا عنها بالعيان؟ وكذلك كل جسم يعلمه من رآه عيانا ويعلمه الأعمى بلمس أو بتواتر الخبر عنه. فأجاب عن هذا بأنّ المخبرين عما عاينوه قد اتصل بعيونهم أجزاء من محسوساتهم فعلموا المحسوس باللمس ثم لما أخبروا غيرهم بما عاينوه انفصلت من الأجزاء التي اتصلت بعيونهم وأرواحهم بعضها فاتصلت