ولا مكتسب ولا واقع عن حسّ ولا عن فكر ونظر وهو مع ذلك محيط بجميع المعلومات على التفصيل والله عالم بكل ما كان وكل ما يكون وكل ما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون بعلم واحد أزليّ غير حادث. والقسم الثاني من قسمي العلوم : علوم الناس وسائر الحيوانات وهي ضربان : ضروري ومكتسب. والفرق بينهما من جهة قدرة العالم على علمه المكتسب واستدلاله عليه ووقوع الضروري فيه من غير استدلال منه ولا قدرة له عليه.
والعلم الضروري قسمان : أحدهما علم بديهيّ والثاني علم حسيّ. والبديهيّ قسمان : أحدهما علم بديهيّ في الإثبات كعلم العالم منا بوجود نفسه وبما يجد في نفسه من ألم ولذة وجوع وعطش وحرّ وبرد وغمّ وفرح ونحو ذلك. والثاني : علم بديهيّ في النفي كعلم العالم منا باستحالة المحالات وذلك كعلمه بأنّ شيئا واحدا لا يكون قديما ومحدثا وأن الشخص لا يكون حيا وميتا في حال واحدة وإن العالم بالشيء لا يكون جاهلا به من الوجه الذي علمه في حال واحدة.
وأما العلوم الحسية فمدركة من جهة الحواس الخمس كما نبيّنها بعد هذا. والعلوم النظرية نوعان : عقليّ وشرعيّ. وكل واحد منهما مكتسب للعالم به واقع له باستدلال منه عليه وبعضها أجلى من بعض كما نثبته بعد هذا إن شاء الله تعالى.
المسألة الخامسة من الأصل الأول
في أقسام الحواس وفوائدها
الحواس عند أصحابنا وأكثر العقلاء خمس يدرك بها العلوم الحسية.
أولاها : حاسّة البصر ويدرك بها الأجسام والألوان وحسن التركيب في الصّور ويجوز عندنا إدراك كل موجود بها خلاف قول من قال من المعتزلة أنه لا يدرك بها الا الأجسام والألوان كما ذهب إليه أبو هاشم بن الجبائي [و] خلاف قول الجبائي أنه لا يدرك بها إلا الأجسام والألوان والأكوان وخلاف قول من زعم من الفلاسفة أن البصر لا يدرك به شيء غير اللون.