المسألة الأولى من هذا الاصل
في بيان العدل والظلم
اعلم إن العدل في اللغة قد يكون بمعنى المثل كقوله تعالى : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (١) ، أي مثل ذلك. وقد يكون بمعنى العدول عن الشيء ومنه قوله تعالى : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ،) (٢) ، أي يعدلون عن الحق إلى الجور. والعدل في الأصل مصدر أقيم المصدر مقام الاسم فقيل للعادل عن الباطل إلى الحق عدل. وعلى هذا يستوي فيه الذكر والانثى والجمع والتثنية والوحدان. وإذا قيل لله سبحانه عدل ، فمعناه العادل. وقال سيبويه : معناه ذو العدل كقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٣). ولو لا ورود الشرع بتسميته عدلا ما جاز اطلاق المصادر في أسمائه. واختلف أصحابنا في تحديد العدل من طريق المعنى : فمنهم من قال : هو ما للفاعل أن يفعله. فإذا قيل له : يلزمك على هذا أن يكون كل كفر ومعصية عدلا من أجل أنها عندك من أفعال الله تعالى وله أن يفعلها. أجاب عنه بأن كلها عدل منه وإنما هي جور وظلم من مكتسبها. ومنهم من قال : العدل من أفعالنا ما وافق أمر الله عزوجل به والجور ما وافق نهيه (فإن أردت طرد هذا الحد قلت العدل ما لم يوافق نهي الله]. وزعم الكعبي أن العدل هو التسوية بين العباد فيما يحتاجون إليه من إزاحة العلل والتوفيق والهداية. ويلزمه على هذا الأصل أن لا يكون الإنسان عادلا بفعل لا يتعدى منه إلى غيره. ومعنى الظلم في اللغة : وضع الشيء في غير موضعه ، وقد يكون بمعنى المنع كقوله تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) (٤) ، أي لم تنقص ولم تمنع منه شيئا. واختلفوا في معنى الظالم من طريق المعنى فقال أصحابنا : حقيقته من قام به الظلم.
__________________
(١) سورة المائدة آية ٩٥.
(٢) سورة النحل آية ٦٠.
(٣) سورة الطلاق آية ٢.
(٤) سورة الكهف آية ٣٣.