نفسيتهم ويحطموا
معنوياتهم وروحيتهم ، فيكون ذلك أداة من أدوات التأثير على موقفهم في الثبات على
هذا الدين ، في ما يوحيه ذلك من فقدانهم لاحترام الآخرين على تقدير التزامهم به ،
وعلى هذا الأساس ، جاءت هاتان الآيتان من أجل تنبيه المسلمين لهذه الروحيّة
العدوانيّة الّتي يحملها هؤلاء أداة ضدهم وضد الإسلام ، مما يجعل من الموقف الّذي
يراد من المسلمين القيام به في رفض موالاتهم ، موقفا يرتبط بالاحترام الّذي يحمله
المسلمون لأنفسهم ولدينهم ، ويؤكد لهم أنّ هؤلاء ليسوا في الموقع الّذي يسمح بقيام
علاقة موالاة بينهم وبين المسلمين ، لأنّ مثل هذه العلاقة تقوم ـ في شروطها
البديهيّة ـ على الاحترام المتبادل والمحبة المشتركة ، اللتين لا تلتقيان مع
أساليب السخرية واللعب بالدين وبشعائره.
وقد أثارت الآية
الأولى مشاعر الإيمان الّتي تدفع المؤمنين إلى الاستجابة إلى الله في هذا النداء
بالمقاطعة ورفض الموالاة ، باعتبار أنّ ذلك مظهر من مظاهر التقوى الّتي يلتزمها
المؤمنون في مواقفهم الإيمانيّة الحاسمة ، (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً
وَلَعِباً) فهم لا يواجهون الدين بالفكر الّذي يناقش مفاهيمه ويتدبر
عقائده وأحكامه ومناهجه ، كأية دعوة جديدة صادرة من الله في وجه رسله ، مما يثير
الكثير من التساؤل لدى النّاس الّذين يتحملون مسئوليّة الالتزام الفكري في ما
يقبلونه أو يرفضونه من الأفكار والعقائد الماضية والحاضرة ، بل يواجهون ذلك كله
بالهزء والسخرية واللعب تماما كما لو كان الموقف يوحي بالمزاح والعبث ، مما يدل
على أنّ المطلوب هو الدخول في حرب نفسية ضد الإيمان والمؤمنين تستهدف إسقاط
روحيتهم وإضعاف موقعهم ودفعهم الإحساس بالضعف أمامهم.
وهؤلاء هم الّذين
عاشوا في عهد الدعوة الإسلاميّة الأولى (مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ) الّذين لا يملكون الحجّة البالغة على رفض الإسلام وتكذيب
الرسول ، والذين خافوا أن يفتح الرسول عقول النّاس على الحقّ