الالتزام ، والربط بين الالتزامين الّذي يتمثل في التعاقد المتعارف ، لا يمثّل إلّا نموذجا من نماذج التأكيد والاستيثاق.
لذا لا مانع من أن يكون لدينا نموذج آخر لا يقل عنه في التأكيد والتشديد ، بل ربّما يزيد عليه من خلال إحساس الإنسان بنتائجه السلبيّة والإيجابيّة ، وهو الالتزام الإيماني الّذي يواجه به ربه ، ليمتد في جميع جوانب حياته من خلال امتداده في فكره وشعوره وعمله أو العهد الذاتي الّذي يعاهد به الله في قضية فرعية عامة أو خاصة في ما يمثله اليمين والنذر والعهد ، وبذلك تكون الكلمة شاملة لذلك بمدلولها اللفظي. وقد يثير البعض ـ في هذا المجال ـ مسألة اتخاذ الكلمة مدلولا خاصا يتمثل بالتعاقد المتعارف بين اثنين وابتعدت عن المعنى اللغوي الشامل في المفهوم العرفي ، فلا يمكن الانطلاق منها في المعنى الشامل الّذى يشمل كل الموارد المذكورة ، ولكننا لا نجد كبير فائدة في تحقيق ذلك ، لأنّ الأمر بالوفاء بالعهد في غير موارد التعاقد ، قد جاءت به الآيات الكثيرة الّتي يمكن الاعتماد عليها في هذا الحكم ، فلا حاجة بنا إلى استفادته من هذه الآية ، وقد نستطيع استفادة بطريقة الاستيحاء بالفحوى ، لأنّ الله إذا اعتبر العهد الّذي يلزم به الإنسان نفسه في مقابل شخص عهدا مؤكدا يستلزم الوفاء ، فلا مندوحة من أن العهد الذي يلزم به الإنسان نفسه اتجاه ربه يصبح أكثر تأكيدا من خلال نوعية المسؤولية المترتبة على ذلك ، وقد يمكن لنا ـ من ناحية أخرى ـ اعتبار الإيمان بلحاظ التزاماته العامة والخاصة ، أمرا تعاقديا بين العبد وربه في ما توحيه الآية الكريمة الّتي خاطب الله بها بني إسرائيل بقوله (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) [البقرة: ٤٠] ، بأنّ هناك عقدا بين الله والإنسان يتقابل فيه الإيمان بنتائجه ، وبذلك يدخل الالتزام الإيماني في مدلول الكلمة ، بطريقة أو بأخرى.
* * *