قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً) [٤٧] أي يحول الله عن الهدى والبصيرة إلى طبع الجهالة. قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [٤٨] قال : إذا لم يكن بينه وبين أحد مظلمة ، وإنما كانت ذنوبه فيما بينه وبين الله تعالى ، فإنه يغفرها وهو الجواد الكريم ، وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «يؤتى بعبد يوم القيامة فيؤمر به إلى النار ، فيقول : ما كذا كان ظني. فيقول الله عزوجل : ما كان ظنك بي؟ فيقول : أن تغفر لي. فيقول الله عزوجل : قد غفرت لك ، فيأمر به إلى الجنة». قوله تعالى : (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) [٦٣] أي مبلغا بلسانك كنه ما في قلبك بأحسن العبارة عني.
قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) [٧٦] قال : المؤمنون خصماء الله على أنفسهم ، والمنافقون خصماء النفوس على الله عزوجل ، يبتدرون إلى السؤال ولا يرضون بما يختار الله لهم وهو سبيل الطاغوت ، إذ النفس أكبر الطواغيت ، إذا خلا العبد معها ، قيل له عن المعصية. قوله تعالى : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) [٧٧] فسئل : ما الدنيا؟ فقال : الدنيا كلها جهل إلّا موضع العلم ، العلم كله حجة إلّا موضع العمل به ، والعمل كله هباء إلّا موضع الإخلاص ، والإخلاص لا يتم إلّا بالسنة. ثم قال : دنياك نفسك ، فإذا أفنيتها فلا دنيا لك.
قوله تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) [٨١] فسئل : ما التوكل؟ فقال : التوكل طرح البدن في العبودية ، وتعلق القلب بالربوبية ، والتبري من الحول والقوة. قيل له : ما حقيقة التوكل في الأصل؟ فقال (١) : حقيقة التوكل في الأصل الإقرار بالتوحيد ، وفي الفرع علم الساعة ، وفي السكون المعاينة. ثم قال : لا تجزعوا من التوكل ، فإنه عيش لأهله. قيل : من أهله؟ قال : الذين خصوا بالخصوصية. فقيل له : لو زدت لنا وضوحا. فقال سهل : إن العلوم كلها أدنى باب من التعبد ، وجملة التعبد أدنى باب من الورع ، وجملة الزهد أدنى باب من ظهور القدرة ، ولا تظهر القدرة إلّا للمتوكل ، وليس للتوكل غاية وصف يوصف به ، ولا حد يضرب له بالأمثال ، ولا غاية ينتهى إليها. فقيل له : صف لنا بعضه. فقال : إن المتوكل له ألف منزل ، أول منزل منه المشي في الهواء. قيل له : بما ذا يصل العبد إليه؟ فقال : إن أول الأشياء المعرفة ، ثم الإقرار ، ثم التوحيد ، ثم الإسلام ، ثم الإحسان ، ثم التفويض ، ثم التوكل ، ثم السكون إلى الحقّ جلّ وعزّ في جميع الحالات ، وقال : لا يصح التوكل إلّا للمتقي. قيل : ما التقوى؟ قال : كف الأذى (٢).
__________________
(١) في الحلية ١٠ / ٢٩٨ : (سئل عن حقيقة التوكل ، فقال : نسيان التوكل).
(٢) في الحلية ١٠ / ٢٩٨ ، (قال : لا يصح التوكل إلا للمتقي ، ولا تتم التقوى إلا لمتوكل).