(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) [٢٥] أي بما فيه من الأعمال الخبيثة والكفر ، فيتمنى أن يكون غير مبعوث ، فيقول : (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) [٢٧] يعني : يا ليت الموتة الأولى كانت عليّ فلم أبعث. (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) [٢٨] كثرة مالي ، حيث لم أؤد منه حق الله ، ولم أصل به القرابة. (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) [٢٩] يعني حجتي وعذري ، فيقول الله تعالى : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) [٣٠] فإذا قال ذلك ابتدره مائة ألف ملك ، لو أن ملكا منهم أخذ الدنيا بما فيها من جبالها وبحارها بقبضته لقوي عليه فتغل يداه إلى عنقه ثم يدخل في الجحيم. (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً) [٣٢] كل ذراع سبعون باعا ، كل باع أبعد مما بين الكوفة ومكة ، لو وضعت حلقة منها على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص ، كذا حكي عن ابن عباس رضي الله عنهما. وحكي أن عمر رضي الله عنه قال لكعب : خوفنا يا أبا إسحاق. قال : يا أمير المؤمنين ، لو أنك عملت حتى تعود كالعود المقضوب من العبادة ، وكان لك عمل سبعين نبيا لظننت أن لا تنجو من أمر ربك وحملة العرش ، وجيء باللوح المحفوظ الذي قد حفظ فيه الأعمال وبرزت الجحيم وأزلفت الجنة ، وقام الناس لرب العالمين ، وزفرت جهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه ، حتى يقول إبراهيم : نفسي نفسي ، فيدعى على رؤوس الخلائق بالرجل العادل والرجل الجائر ، فإذا جيء بالرجل العادل رفع إليه كتابه بيمينه ، فلا سرور ولا فرح ولا غبطة نزل يومئذ بعبد أفضل مما نزل به ، فيقول على رؤوس الخلائق ما حكاه الله تعالى ، ثم يؤتى بالرجل الجائر ، فيدفع إليه كتابه بشماله ، فلا حزن ولا ذل ولا حسرة أشد مما نزل بالرجل ، فيقول على رؤوس الخلائق ما حكى الله تعالى ، فيؤخذ ويسحب على وجهه إلى النار ، فينتثر لحمه وعظامه ومخه. فقال عمر رضي الله عنه : حسبي حسبي (١). قال سهل : إن السلاسل والأغلال ليست للاعتقال ، وإنما هي لتجذبهم سفلا بعد أبدا ما داموا فيها.
قوله عزوجل : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) [٤٤] قال : يعني لو تكلم بما لم تأذن له فيه. (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) [٤٥] يعني أمرنا بأخذ يده كما تفعل الملوك. (ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) [٤٦] وهو نياط القلب ، وهو العرق الذي يتعلق القلب به ، إذا انقطع مات صاحبه ، فنقطع ذلك السبب بمخالفته إيانا.
قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) [٤٨] قال : يعني القرآن رحمة للمطيعين.
قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ) [٥٠] قال : يعني ما يرون من ثواب أهل التوحيد ومنازلهم وكريم مقاماتهم ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________________
(١) المستدرك على الصحيحين ٤ / ٦٣٤ ؛ ومجمع الزوائد ١٠ / ٣٤٢ ؛ والمعجم الكبير ٩ / ٣٦٠ ؛ والحلية ٥ / ٣٧١ ، ٣٩٠.