(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله ، فعاش الإيمان في وجدانهم فكرا وعقيدة ومفاهيم منفتحة على الله والإنسان والكون والحياة ، وتحرّك في قلوبهم عاطفة متصلة بالمشاعر الروحية الخيّرة في حركتها في الجانب الإنساني من علاقة الإنسان المسلم بالآخرين ، وانطلق في سلوكهم حركة مستقيمة في خط القيم الروحية الإنسانية على صعيد الواقع العملي في الدائرة الأخلاقية العامة (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) وهو الفريق الحاقد المعقد ، الذي يلاحق تطوّر الدعوة الإسلامية في اتجاه الشمولية للساحة بالعمل على تخريب كل الأوضاع ، وتعقيد كل الأعمال ، وإثارة كل المشاكل في وجه الإسلام وأهله ، مما يجعل من استجابتكم له وإطاعتكم لتوجيهاته ونصائحه ، استجابة للضلال والانحراف الذي يجرّكم إلى الابتعاد عن الصراط المستقيم ، لأن كل هدفهم في كل مخططاتهم أن (يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) ليضعفوا الإسلام بخروج المؤمنين به من الانتماء إليه ، ولينفّسوا عن عقدتهم الذاتية تجاهكم ، وإن كانوا لا يواجهونكم بالدعوة إلى الكفر في البداية بشكل مباشر ، بل يطرحون أمامكم بعض القضايا الجانبية التي تدخل في عداد الأمور المرتبطة بالعلاقات الاجتماعية والعصبيات العائلية ، مما يجعلكم تأمنون الخطر على إيمانكم في البداية ، فإن عليكم أن تعرفوا أن ذلك يمثل الخطة الدقيقة التي تتدرج في خطوطها لتأخذكم على حين غرّة ، لتصل بكم في نهاية الأمر إلى الوقوع في حبائلهم والسقوط في مخططاتهم في انحرافكم عن خط الإيمان إلى الكفر.
ثم تأتي الآية الثانية لتثير الإنكار في صيغة الاستفهام فتتساءل : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) لتوجه المؤمنين إلى عدم الانفصال عن القرآن في مفاهيمه ودلائله وبراهينه وخططه للحياة ، وعدم الابتعاد عن الارتباط بقيادتهم الرسالية الواعية التي تفتح لهم أبواب الإيمان في ما تفتح لهم من أبواب العلم بالله وبرسالته وشرائعه ، فإن ذلك هو السبيل إلى الثبات على المبدأ ، والشعور بقوّة المواقف وأصالتها.
* * *