يهملها ويلجأ إلى الدعاء ، الأمر الذي يدل على أن الدعاء يمثل الوسيلة التي يلجأ إليها الإنسان حيث لا وسيلة لديه ، لأن الله لا يريد للإنسان أن يجعل من إيمانه بربه سبيلا للابتعاد عن سنن الله في الحياة ، التي جعلها أساسا للعلاقة بين الأسباب والمسببات في الواقع الإنساني في شؤونه وحاجاته وأوضاعه الاختيارية ... وهذا ما يمثله معنى التوكل في توكل الإنسان على الله ، بعد استنفاد كافة الوسائل التي تحقق له غرضه ، فلا يسقط أمام حالة العجز بل يترك أمره إلى الله الرحمن الرحيم القادر على كل شيء والذي يحب عباده المتوكلين عليه. كما أن الحديث الثالث يؤكد أن التخلص من الأشرار يفرض القيام بمواجهتهم بالوسائل الموجودة ثم الدعاء ، لا إهمال الواقع الفاسد ثم الدعاء.
ومع هذه الملاحظة ، فكيف يمكن أن يدّعى أحد أن الدعاء يجعل الإنسان غيبيا في حياته العملية ، حتى في موارد قدرته على الارتباط بعالم الحسّ ، ويعزله عن حركة النشاط الطبيعي في الواقع الذي يتحمل مسئوليته؟
ثالث هذه الملاحظات : إن الدعاء يتنافى مع رضى الإنسان بقضاء الله وقدره ، لأنه لا يصبر على الواقع الذي يعيش في داخله مما قدّره الله له.
وهذه شبهة لا معنى لها ، لأن الدعاء ـ كما ذكرنا ـ جزء من الوسائل التي أراد الله للإنسان أن يأخذها في استكمال نظام الحياة التي جعل الله فيها لكل شيء قدرا في عناصره المادية والمعنوية. وكما أن الله لا يريد للإنسان أن يصبر على البلاء الذي يقدر على دفعه عن نفسه بالوسائل المادية ، فإنه لا يريد له أن يبتعد عن الرجوع إليه بالأخذ بالوسائل الروحية ، ومنها الدعاء في دفعه ، مما يعني أنه يحقق إرادة الله في ذلك لأنه جعل قضاءه وقدره مربوطين بمسألة الدعاء سلبا أو إيجابا.
وهذا هو الرد على من قال ـ في الاعتراض على الدعاء ـ : بأنه تدخل في شؤون الله ، والله يفعل ما يريد مما ينسجم مع مصالحنا ، فلما ذا نطلب منه