الله ، ما دامت القضية ترتكز على حل مشكلة الفقير من خلال التكافل الاجتماعي من جهة ، وعلى تربية المؤمن على روح العطاء من جهة أخرى. ولذلك اكتفى بكلمة (الْعَفْوَ) التي تعني الفضل.
(قُلِ الْعَفْوَ). وقد اختلف المفسرون في تطبيق هذه الكلمة على الواقع العملي ، فقال بعضهم : إنه ما فضل عن الأهل والعيال ، أو الفضل عن الغنى. وقال بعضهم : إنه الوسط من غير إسراف ولا إقتار ، وهو المروي عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام. وقال بعضهم : إنه ما فضل عن قوت السنة (١) ، وهو المروي عن الإمام محمد الباقر صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد تلتقي هذه المعاني حول معنى واحد ، وهو أن لا يترك تأثيره على حاجاته الأساسية مما يتصل بمسؤولياته عن نفسه وعياله على النحو المتعارف.
(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) الدالة على حقائق الأشياء مما يتعلق بالتشريع في مسئولياتكم العامة والخاصة ، فتتعرفون حكمة الله في تشريعاته في أقوالكم وأفعالكم ، ليظهر لكم كيف يريد صلاحكم. كما يبين لكم الآيات المنتشرة في الكون في كل مخلوقاته الجامدة والنامية والحية التي تكشف لكم عن عظمة الإبداع وسر الخلقة ، (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) وتهتدون بالفكر المتحرك الباحث عن كل حقيقة في الأرض وفي السماء وفي الحياة والإنسان ، فتحصلون على الثقافة العلمية التي تنمّي مدارككم وفهمكم وانفتاحكم على حقائق العقيدة والإيمان ، (فِي الدُّنْيا) ليتعرفوا كيف هي الدنيا في نطاق مسئولياتكم من حيث هي دار ممر لا دار مقر ، وساحة عمل لا ساحة لهو وعبث ، ومزرعة للآخرة لا غاية في ذاتها ، لتتحركوا فيها في ما تفعلون وتتركون في هذا الاتجاه لتحقيق تلك الغاية. (وَالْآخِرَةِ) التي هي دار الحيوان والخلود ، فسعادتها هي السعادة وشقاؤها هو الشقاء ، فلا بد لكم من الاستعداد لها لتواجهوا نتائج المسؤولية بين يدي الله.
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٢ ، ص : ٥٥٨.