الذي يوحي للإنسان بأن الحالات النفسية الانفعالية لا يمكن أن تكون مقياسا للحركة السلبية أو الإيجابية في الحياة ، لأن الانفعال منطلق من السطح لا من العمق ، باعتباره يمثل حالة ردّ فعل لصدمة طارئة ، أو نزوة سريعة ، أو عاطفة ساذجة فلا بد من التعمق في دراسة القضايا والمواقف والأشياء ، من أجل النفاذ إلى واقعها لمعرفة طبيعة المصالح والمفاسد الواقعية الكامنة فيه ، لينتهي إلى النتيجة الحاسمة التي تبعده عن الاستسلام لانفعالاته السريعة.
وقد يستطيع الإنسان اكتشاف ذلك من دراسة تاريخ حياته الشخصي في ما واجهه من حوادث الانفعال ، وما اكتشفه من خطأ الاعتماد عليها في ظهور السلبيات في ما إذا كان الانفعال يتجه إلى الإيجابية ، أو ظهور الإيجابيات في ما إذا كان يتجه إلى السلبية. فليست الكراهة مؤشرا لضد الحق في ما يكرهه ، وليست المحبة مؤشرا للحق في ما يحبه. إنه شيء يكتشفه الإنسان من خلال تجاربه الشخصية. فإذا تحرك في خط الإيمان فإنه يكتشف ، من خلال النافذة التي تطل به على الحقيقة الإيمانية ، أن الله يعلم حقائق الأشياء ، ويعلم ما يضر الإنسان وما ينفعه منها ، ويعرف كيف يشرّع للإنسان ما ينسجم مع مصلحته على أساس الحكمة والرحمة. أما الإنسان فهو لا يعلم إلا القليل القليل منها ، ولذلك نراه يتمرد ، ويشك ، وينفعل. ومن خلال ذلك ، انطلق القرآن في معالجة الموقف من ناحية فكرية ترتكز على التجربة ، ومن ناحية إيمانية ترتكز على العقيدة. فطريقة القرآن ، في حلوله لمشاكل الإنسان الداخلية ، تتمثل في قيادته إلى القناعة من خلال الواقع والإيمان.
ويبقى أن الآية توحي بأن هناك سؤالا مكبوتا يتحرك في الداخل بعد تشريع القتال ، أو سؤالا مطروحا بطريقة مليئة بالمرونة والاستيحاء ، فكانت الآية جوابا عن ذلك كله.
* * *