بل ينبغي لهم أن يفكروا بما أعد الله لهم من ثواب وعقاب ، فإن (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) ، لأن الأمر بيده في ما يعطي أو يمنع ، وهو وليّ المؤمنين.
جاء في تفسير الميزان حمل كلمة (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) على الأعم من الكافرين بالكفر الاصطلاحي ، وهو الكفر بالله ، أو الكفر المطلق ، في مقابل الإيمان المطلق بحيث يعدّ الانحراف عن كل حقيقة من الحقائق الدينية من تفاصيل العقيدة ، أو تغيير أية نعمة دينية ، كفرا ، وذلك من جهة ظهور كلمة «الكفر» بالستر الذي يعم المعنيين ؛ ولذلك اعتبر من مصاديق هذه الآية المؤمنين بالله الذين زينت لهم الحياة الدنيا فدعتهم إلى اتباع هوى النفس وشهواتها ، وأنستهم كل حق وحقيقة ، فلا يريد الإنسان إلا نيلها ، من جاه ومقام ومال وزينة ، فلا يلبث دون أن يستخدم كل شيء لأجلها وفي سبيلها ، ومن ذلك الدين ، فيأخذ الدين ، وسيلة يتوسل بها إلى التميزات والتعيّنات ، فينقلب الدين إلى تميز الزعماء والرؤساء وما يلائم سؤددهم ورئاستهم ، وتقرب التبعة والمقلدة المرؤوسين ، وما يجلب به تماثل رؤسائهم وساداتهم كما نشاهده في أمتنا اليوم ، وكما شاهدناه في بني إسرائيل من قبل (١).
ونلاحظ على ذلك ، أن الكلمة قد تكون ظاهرة في الستر بحسب المعنى اللغوي ، ولكنها ظاهرة في السياق القرآني ، كما هي في الاستعمالات العرفية ، بالكفر المصطلح ، ولا سيما في الآيات التي يذكر فيها (الَّذِينَ آمَنُوا) في مقابل (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) ؛ فإنها واضحة الدلالة على الكفر الذي يقابل الإيمان من ناحية المبدأ. وإذا كانت بعض آيات القرآن ظاهرة في ما يشمل الكفر ببعض الحقائق الدينية أو الانحراف العملي عنها ، فإنها جاءت ، ـ والله العالم ـ على سبيل المجاز ، لتنزيل الكفر بالحقيقة الدينية الخاصة أو الانحراف السلوكي عنها ،
__________________
(١) انظر : تفسير الميزان ، ج : ٢ ، ص : ١١٢.