والنزاع أن يحكما حياتهم ، لا سيما الخلافات المذهبية في داخل الدين الواحد ، فإنها تفرق الناس ، وتجعل من كل فئة من الفئات قوة تخاصم الفئة الأخرى ؛ فيؤدي ذلك إلى ضعف الدين ، لأن كل طاقة دينية تضرب طاقة دينية أخرى ، تساهم في النتيجة في إهدار الطاقات الدينية لمصلحة القضايا الشخصية.
ولعل من الطبيعي أن يكون الاتجاه إلى السلم مرتبطا بالانسجام مع المفاهيم الإسلامية التي تحكم حياة الناس ، وذلك من خلال الأساس الفكري الذي يجمعها ويوحّد خطأها ويشعرها بأنها تلتقي عنده. وفي هذا النطاق يمكننا أن نستوحي من الدخول في السلم الالتقاء على خط الإسلام الواحد ، لا كمفهوم من الكلمة ، بل كنتيجة للمفهوم المرتكز على الوفاق ؛ فإن السلم الذي يقوم على المجاملة والعاطفة ، وينطلق من إخفاء العقد الذاتية ، ومن الهروب بعيدا عن المشكلة ، لا يمكن أن يثبت أمام التجربة ، ويصمد أمام الرياح والعواصف.
وهكذا يفهم الإسلام قصة السلم في الواقع ، وذلك في نطاق الوحدة الفكرية والشعورية التي تتحرك نحو الوحدة العملية الواقعية. وربما كان ابتداء الآية بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، إيحاء بذلك ، لأن الإيمان يوحي للمؤمنين بوحدة المنطلق والطريق والهدف ؛ الأمر الذي يربط الوحدة بالجذور العميقة للانتماء ، ويبعدها عن الارتماء في أحضان الكلمات السطحية الغارقة بالضباب ، فيفجر كل الأشياء في الداخل ، لتتحول إلى الهواء الطلق والنور الباهر.
والمراد بكلمة (كَافَّةً) جميعا ، بمعنى أن لا يبتعد أي واحد منهم عن الدخول في هذا العنوان الكبير. وهناك احتمال بأن المقصود به ادخلوا في السلم كله ، أي في جميع شرائع الإسلام ، ولا تتركوا بعضه. ويؤيّد هذا القول ما روي أن قوما من اليهود أسلموا وسألوا النبي أن يبقي عليهم تحريم السبت